م. خالد إبراهيم الحجي
إن العمليات التجميلية التَرَفية هي الجراحات التي تُعمل لأغراض وظيفية أو جمالية أو دواعٍ نفسية، وليس لها علاقة بالضرورات المُلحة كالعيوب الخلقية أو التشوهات الناتجة عن كسور الحوادث والحرائق،
والهدف الرئيس من عمليات التجميل التَرَفية هو استعادة التناسب والتناسق المثالي والتوازن الطبيعي لجزء من أجزاء الجسم عن طريق تحقيق مقاييس الجمال المناسبة لهذا الجزء مع باقي أعضاء الجسم.. وعمليات التجميل التَرَفية لم تعد تقتصر على المشاهير والأغنياء فقط، بل أصبحت شائعة جداً في الوقت الحاضر بعد الانفتاح الحضاري والانتعاش الاقتصادي في أوساط الطبقات الثرية في المجتمعات المختلفة، وفي أوروبا تمُثّل النساء نسبة 85% من مجموع الذين يجرون العمليات التجميلية التَرَفية والنسبة الباقية تمثّل الرجال، واستجابة للأصوات القوية التي طالبت بسنّ القوانين الصارمة على المصانع التي تنتج مواد التجميل على إثر فضيحة أغشية تكبير الثدي في فرنسا، أصبحت صناعة المواد الداخلة في عمليات التجميل التَرَفي تخضع لمراقبة دقيقة لحماية المستخدمين لها من آثار الأضرار الجانبية لمواد التجميل، وذلك بعد أن دخلت تلك الأغشية الهلامية غير المطابقة للمعايير الصحية الآمنة في صدور آلاف النساء لتكبير الثديين، داخل فرنسا والدول الأوروبية الأخرى التي تم تصدير أغشية تكبير الثدي إليها من إنتاج الشركة الفرنسية (بي. آي. بي)، فصدر أمر قضائي للشركة الفرنسية يلزمها بأن تقوم باستدعاء النساء اللاتي أجرين عمليات تكبير للثديين بتلك الأغشية الهلامية الرديئة، من إنتاج الشركة الفرنسية، واستبدالها بأغشية هلامية أخرى عالية الجودة ومطابقة للمعايير الصحية والمقاييس المعتمدة في الدول الأوروبية، وحسب تقارير الجمعية البريطانية للجراحات التجميلية (بابس) أن تلك الفضيحة ساهمت مع الفتور الاقتصادي الذي ضرب أوروبا في الانخفاض الملموس الذي أصاب مختلف أنواع عمليات التجميل الأكثر انتشاراً ورواجاً في أوروبا على النحو التالي:
انخفاض عمليات شد الوجه والعنق بنسبة 1%، وانخفاض عمليات تجميل الأنف بنسبة 24%، وانخفاض عمليات تصحيح شكل الأذنين بنسبة 20%، وانخفاض عمليات رفع الحواجب بنسبة 7%، وانخفاض عمليات تجميل الجفنين بنسبة 1%، وانخفاض عمليات تكبير الثديين بنسبة 23%، وانخفاض عمليات تصغير الثديين بنسبة 1%، وانخفاض عمليات شفط الدهون بنسبة 7%، وانخفاض عمليات توزيع الدهون بنسبة 4%، وانخفاض عمليات شد البطن بنسبة 20%.. ولا يُوجد في السعودية حتى الآن إحصاءات دقيقة عن نسبة الإقبال على إجراء عمليات التجميل التَرَفي سواء بالنسبة للرجال أو النساء، إلا أنه من الملاحظ أن هناك إقبالاً متزايداً على عمليات التجميل من الرجال والنساء الباحثين عن الجمال والإغراء، ويُؤكد هذا الإقبال الشديد ما نشاهده اليوم من سباق محموم لفتح عيادات التجميل التَرَفي في الشوارع الرئيسة، وتزايد انتشارها أصبح ملفتاً للنظر في المدن الكبيرة مثل الرياض وجدة والدمام، وعلى الرغم من أن الشائع عن عمليات التجميل التَرَفية أنها غير مأمونة العواقب، وقد يترتب عليها آثار جانبية ضارة، إلا أنها تزداد رواجاً يوماً بعد يوم، وأنصارها في أوساط المجتمعات المختلفة يغضون النظر عن الشائعات المروّجة عن أضرارها الجانبية لأنهم يعتقدون أن نجاحها يتوقف على كفاءة ومهارة أخصائي التجميل الذي يجريها.. والتقدم التكنولوجي ساهم مساهمة فعّالة في تزايد العمليات التجميلية التَرَفية ورواجها التي تهدف في غالبها إلى تحسين وتجميل ملامح الوجه وتعزيز مفاتن القوام وتناسق المظهر العام للجسم، فزاد الإقبال عليها في أوساط الطبقات الثرية في المجتمعات المختلفة، ولقد وصل التَرَف والرغبة في البحث عن الجمال والإغراء إلى حد الجنون عند بعض زبائن عيادات التجميل التَرَفي والمترددات عليها من النساء إلى درجة إحضارهن صور الفنانات المشهورات من ملكات الجمال والإغراء ليطلبن من جراح التجميل استحداث وإنتاج نسخة طبق الأصل من العينين أو الشفتين أو الأنف أو الثديين، أو نسخة قريبة من ملامح الجمال والإغراء المنشودة، والبحث عن ملامح الجمال والإغراء ليس مرتبطاً بجنس أو مجتمع معين أو عمر محدد، بل تشترك فيه جميع الأجناس والأعمار المختلفة، حتى وصل إلى طبقات المتقاعدين وبخاصة أصحاب التقاعد المبكر الذي كان سبباً في تغيير المفهوم التقليدي للتقاعد الذي يعني مرحلة الركود والانتظار إلى آخر العمر، إلى مفهوم جديد للتاعد يعني مرحلة جديدة من العمر، وحياة جديدة سواء كانت امتداداً للمرحلة العملية السابقة أو انتقالاً إلى مرحلة عملية جديدة تختلف عن المرحلة العملية السابقة، ولذلك نجد أن الشعور بالحيوية والشباب أصبح شعوراً طاغياً عند المتقاعدين الجدد فيلجأ بعضهم إلى إجراء عمليات التجميل التَرَفي للبحث عن الجمال والنضارة والشباب، ومن أهمها تحديد الشوارب والذقن بالليزر، وشد الوجه وإزالة التجاعيد، والتخلص من الصلع بزراعة الشعر وشفط الدهون.. وعلى الرغم من أن العمليات التجميلية التَرَفية أصبحت أكثر انتشاراً ورواجاً في بعض الدول التي تتوفر فيها الإمكانيات المادية وسهولة إجرائها في الوقت الحاضر، وعلى الرغم من أن إجراء عمليات التجميل التَرَفي لتحقيق مقاييس الجمال والإغراء التي يتمناها الشخص حرية شخصية ولا يحق لأحدٍ أن يتدخل في حقه لممارسة حريته الشخصية، إلا أن عمليات التجميل التَرَفي لا تغير من نظرة الناس أو المجتمع إلى صاحبها، بل ربما تكون عمليات التجميل أحياناً مادة للفكاهة والتندر على صاحبها، لأن الجمال الحقيقي يكمن في جمال الروح والشخصية والأخلاق والطّباع.
الخلاصة:
إن انتشار ورواج عمليات التجميل التَرَفي في المجتمعات، ليست فقط علامة على التَرَف الاقتصادي، وإنما أيضاً مؤشر على أن المجتمع أصبح سطحياً يهتم بالمظهر أكثر من اهتمامه بالجوهر والمخبر.