م. خالد إبراهيم الحجي
إن الأهمية القصوى لليمن لا تستمد من ثقلها السياسي وإنما ترجع إلى موقعها الجغرافي حيث تشرف على السواحل الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية المطلة على بحر العرب وعلى مضيق باب المندب في البحر الأحمر، ولذلك يعد البوابة البحرية والبرية من جهة الجنوب الغربي لشبه الجزيرة العربية، ويتبع اليمن أكثر من 200 جزيرة في بحر العرب والبحر الأحمر أكبرها جزيرة سقطري وجزيرة حنيش، وعاصمة اليمن الرسمية هي صنعاء، ولكن في 7 مارس 2015 أعلن الرئيس هادي منصور عبد ربه الرئيس الشرعي لليمن مدينة عدن عاصمةً مؤقتةً للبلاد بدلاً من صنعاء بعد أن احتلتها ميلشيا الحوثيين المدعومين من إيران التي تسعي لإقامة ذراع شيعي تابع لها في اليمن على غرار حزب الله في لبنان، في محاولة من إيران إلى استكمال مخططها الرامي إلى تشكيل قوساً شيعياً يطوق شبه الجزيرة العربية ابتداءً من لبنان ومروراً بسوريا والعراق والبحرين وانتهاءً باليمن، فشكلت قبائل الحوثيين بإيعاز من إيران حزباً سياسياً داخل اليمن سمته أنصار الله، لتتمكن إيران من خلال هذا الحزب بعد وصوله للحكم والسيطرة على اليمن من نشر مذهبها الشيعي، وتحقيق أطماعها التوسعية في شبه الجزيرة العربية، والسيطرة على الممرات البحرية الدولية عبر بحر العرب ومضيق باب المندب المكمل لقناة السويس فعمل كل واحد منهما يحتاج الآخر لعبور ناقللات النفط والغاز الخليجي وحركة التجارة الإقليمية والدولية. والتدخل الإيراني السافر في اليمن والسيطرة علية مذهبياً وسياسياً يشكل خطراً جسيماً على أمن شبه الجزيرة العربية ومصالح دولها وشعوبها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لذلك انطلقت عاصفة الحزم في 26 مارس 2015 م بقيادة السعودية وتحالف دولي مكون من عشر دول لإعادة الاستقرار ومساندة الشرعية في اليمن من خلال عودة الرئيس الشرعي الحالي هادي منصور إلى كرسي الرئاسة في صنعاء، والقضاء على أشكال التدخل الإيراني ومحاولات فرض السيطرة والنفوذ الشيعي في اليمن. وعاصفة الحزم عملية عسكرية شاملة استطاعت أن تحقق عنصر المفاجأة بالضربة الجوية المباغته وسرعة السيطرة على أجواء اليمن، ثم تبعه الحصار البحري على السواحل اليمنية المطلة على بحر العرب والبحر الأحمر، وفي الوقت نفسة تقف القوات البرية على أهبة الاستعداد على الحدود الجنوبية للسعودية، وبذلك أصبح اليمن محاصراً من قوات عاصفة الحزم بالسيطرة الجوية والحصار البحري وأصحت الحدود الجنوبية للسعودية مؤمنة بوجود القوات البرية على مشارف الحدود اليمنية، وهذا النوع من العمليات العسكرية تنطلق لتحقق أهدافٍ إستراتيجةٍ طويلة الأمد تعود ثمرتها على الأجيال القادمة لذلك فهي عمليات معقدة وشاملة وباهضة الثمن. ومصلحة دول شبه الجزيرة العربية بما فيها المملكة العربية السعودية لا تتمثل فقط بعودة الشرعية والاستقرار إلى اليمن وإنما تتمثل أيضاً في تحقيق البنود التالية الأول: التأمين البري على أرض اليمن الذي يتطلب نزع الأسلحة الثقيلة من الميليشيات المتفرقة والقبائل المختلفة لأن اليمن يعتبر موقعاً جغرافياً استراتيجياً يقودنا إلى ضرورة الوصول إلى ضمانات قوية جداً لحماية الشرعية والاستقرار في اليمن، وخضوع الجميع لسيادة القانون وشرعية الدولة. الثاني: التأمين البحري للمياه الإقليمية في بحر العرب ومضيق باب المندب في البحر الأحمر، وبالتالي أهمية اقتصار موانئ اليمن على خدمة أعمال ومشاريع التنمية في اليمن وعدم استخدامها كمنافذ لإدخال الأسلحة إلى اليمن أو تهريبها إلى أراضي شبة الجزيرة العربية. الثالث: التأمين الجوي لسماء اليمن الذي يعتبر تأميناً لسماء السعودية وباقي شبه الجزيرة العربية. الرابع: أخذ الحيطة والحذر بأخذ العهود والمواثيق والضمانات الكافية لعدم تحول المليشيات التابعة للرئيس السابق علي عبدالله صالح وقبائل الحوثييين إلى خلايا نائمة تتحين الفرص المواتية للانقضاض على الشرعية وزعزعة أمن اليمن، لأنه من خلال قراءة الأحداث والوقائع التاريخية السابقة نجد أن الاستسلام الطوعي أو الإجباري للمليشيات على الأرض وتسليم أسلحتهم للجانب الأقوى لا يعني بالضرورة تلاشي جميع التراكمات الطائفية والأيدولوجيات المذهبية التي تكونت على مدى السنوات الماضية التي تربت عليها الطوائف المختلفة وتكون منها نسيج المجتمع. ولذلك فإن عاصفة الحزم عملية عسكرية شاملة تهدف في الدرجة الأولى إلى إعادة الشرعية والاستقرار في اليمن الذي يمثل عمقاً إستراتيجياً لشبه الجزيرة العربية وبالتالي تأمينه براً وبحراً وجواً للقضاء على مختلف مظاهر وأشكال الميليشيات وديمومة الشرعية وسيادة القانون على الجميع.
والخلاصة إن أمن شبه الجزيرة العربية من أمن اليمن لأنه البوابة التي تقضي على زحف الأطماع الإيرانية في شبه الجزيرة العربية، والبوابة التي تشرف على مضيق باب المندب، والجار الذي لبت دعوته عاصفة الحزم.