رقية الهويريني
يقول تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْه رِزْقُه فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاه اللَّهُ}، أي جُعل رزقه محدوداً بقدر معين، كناية عن ضيق الحال. فينبغي أن يأتي الإنفاق متناسباً مع الدخل، لا بالتقليد والمحاكاة، ولكن المشاهَد أن الفقراء يقلدون الأغنياء في شكل حياتهم باعتبار أن لهم حق المعيشة مثل غيرهم.
ورغم أن الإسلام - مثله مثل بقية الأديان - عالج الفقر إلا أنه لم يستأصله، وأقر بوجوده كحتمية اجتماعية وسُنة الله في خلقه حينما فرض الزكاة، ورغَّب بالصدقة، وشجع على التكافل الاجتماعي.. فترى الأغنياء يعمدون لحساب أموالهم بغرض دفع الزكاة المفروضة عليهم، ويشكرون ربهم أن هيأ لهم المال لكي ينفقوا منه، ويحفظوا كرامتهم، وكذلك يطلبون رضا الله بمساعدة الفقراء والمحتاجين الذين جعل لهم حقاً معلوماً في أموالهم.
لكن الملاحظ أن بعض الفقراء لا يحمدون ربهم، ولا يشكرون الواهبين، سواء من الناس أو الحكومة التي حددت للفقراء مبلغاً معيناً يستلمونه كحق من حقوقهم من بيت المال متمثلاً بالضمان الاجتماعي، الذي خصص لكل شخص 1000 ريال شهرياً، ومساعدة مقطوعة تزيد على عشرة آلاف ريال سنوياً، ومساعداتٍ نقدية للغذاء بمقدار 90 ريالاً شهرياً، ودعماً شهرياً للكهرباء بمقدار 70 ريالاً للشخص الواحد، ومساعدات مدرسية للطلبة، إضافة إلى مساهمات الجمعيات الخيرية وأهل الخير.
وبالرغم من ذلك يتذمر الفقراء من فقرهم وزعمهم قلة الإعانات والمساعدات، فهم يرونها لا تكفي الحاجة، والحقيقة أنها تكفي مع التدبير والتوفير وترشيد الاستهلاك، بشرط أن يدرك الفقير أنه قد يكون تسبب بفقره من خلال كسله ما لم يكن يتيماً بدون والدَيْن أو معاقاً إعاقة تامة! والمعاقون لديهم إعانات تتناسب مع عجزهم.
والمدهش أن الفقير يريد أن يعيش كَلّا على الغني معتمداً عليه، متسولاً فوق حقه لا لسد احتياجاته، بل طالباً الرفاهية سواء بامتلاك سيارة، وهو باب الرفاهية وليس الكفاف طالما هناك وسائل مواصلات منتشرة، وإن لم يستطع فيمكنه امتلاك دراجة نارية تساعده على التنقل للعمل الذي من خلاله يمتلك سيارة ومنزلاً، ويتغير مستواه الاقتصادي للأفضل. كما أن الفقير يرغب في تناول وجبة من المطعم، وارتداء ملابس فاخرة، وجوال ثمين.. وينسى أنه من فئة الفقراء الذين ينبغي عليهم الصبر والجد والمثابرة، وليس التسول والتذمر والحنق على الأغنياء.
ولم أجد غير الرفق في الصرف والتوفير بالدخل ملاذاً من التسول وطلب الرفد والنظر فيما بين أيدي الناس. ولم أجد مثل التعفف حافظاً للكرامة والشرف.