د. عبدالعزيز الجار الله
كان أبرز الأوامر الملكية التي صدرت صباح الاثنين الماضي تعيين وزير للإسكان بدلاً من التكليف؛ لأن المعالجة الجدية لأزمة السكن بالسعودية لا تحتمل التأخير، فصندوق التنمية الذي بدأ مع الخطة الأولى للتنمية عام 1395هـ - 1975م لا يستطيع حل الأزمة بمفرده؛ فالسكان قفز تعدادهم من (3) ملايين نسمة عام 1382هـ إلى (7) ملايين نسمة عام 1394هـ، ثم (17) مليوناً عام 1413هـ، ثم (23) مليون نسمة عام 1425هـ، إلى التعداد الأخير عام 1431هـ وفيه بلغ سكان المملكة (27) مليون نسمة. والمؤشرات الحالية عام 1436هـ تقدر عدد السكان بنحو (32) مليون نسمة، على اعتبار أن السعوديين (20) مليوناً، وغير السعوديين نحو (12) مليون نسمة. وفي المقابل، عملت جهات عدة لمعالجة أزمة السكن، وأنشأت مساكن لمنسوبيها:
المدن الإسكانية العسكرية والأمنية.
المدن الطبية التابعة لوزارة الصحة.
المدن الطبية للمستشفيات الجامعية بعدد من الجامعات السعودية (28 جامعة سعودية).
المدن الجامعية الحكومية والأهلية لأعضاء هيئة التدريس والطلاب (38 جامعة).
المدن الصناعية والاقتصادية والمعرفية والتقنية.
بعض الوزارات والهيئات الحكومية.
القطاع الخاص (ما يوفره صاحب العمل من السكن أو البدلات).
وجهات أخرى مثل الشركات الكبرى والبنوك.
ورغم تعدد الجهات فإنها لم تحل مشكلة الإسكان، وأصبحت قضية السكن ترحل من خطة تنموية إلى أخرى، ومن ميزانية إلى أخرى، حتى وصلنا إلى مختنق المساكن. وخلال هذه الأعوام، من عام 1395هـ إلى 1436هـ، أكثر من أربعين سنة تبدلت فيها قناعات المجتمع الذي كانت مصادره الأولى: صحراء العرب المفتوحة بلا محددات، ومن ريفها الزراعي الذي يرى مد نظره (يرى كل شيء بها أخضر)، والفضاء الساحلي المفتوح على تهامة الأرض غرباً ورمال الخلجان شرقاً، ومدن وقرى الجبال الطولية والهضاب المتسعة.
مجتمعنا جاء للمدن من بيئات اتصفت بالمساحات المفتوحة والواسعة، لكن تبدلت قناعاته من الفلل الكبيرة التي كانت تمنحها الدولة للسكن الخاص: 2500 متر مربع، 1200م -900م - 750م - 500م حتى 300 متر مربع مع قرض صندوق التنمية وقرض البنك، وانخفض سقف الرغبات والأمنيات إلى شقة مساحتها (150)م2.
مشكلة بلادنا ليست مالية واقتصادية، لكن البنية الاستيطانية والنمو الحضري اعتمد على نشر المدن والقرى والهجر على مساحات واسعة ومتباعدة داخل شبكة من البيئات والطبوغرافيا المركبة بحيث التقى كبر المساحة واتساعها (نحو مليونَيْ كيلومتر مربع تقريباً) مع انتشار غير منضبط للمستوطنات والتوطين. وهذه من العوائق التي تصعب من أداء المخطط؛ إذ لم نقرر خفض حجم المراكز والقرى والهجر، مع الاهتمام بتنمية المدن المتوسطة في عمران ومبانٍ رأسية بدلاً من الامتداد الأفقي. أيضاً الانتقال إلى الوحدات الصغيرة والشقق.