محمد بن عيسى الكنعان
بين مفهوم (حصان طروادة)، ومصطلح (الفوضى الخلاقة) يمكن محاولة فهم حقيقة تنظيم ما يُسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، من حيث حقيقة هذا التنظيم الإرهابي ومن يقف خلفه؟
حتى صار لغزاً محيراً لدى السياسيين والإعلاميين! فمنهم من يراه صنيعة الاستخبارات الغربية لتفتيت المنطقة العربية؛ لأجل (سايكس بيكو جديد)، ومنهم من يراه صنيعة الإيرانيين لتدمير المجتمعات السنية كما حدث ويحدث في مدن العراق بدايةً من تكريت، إلى جانب دوره العسكري كخنجر غدر لطعن الثورة السورية، وإنقاذ نظام الأسد، فضلاً عن أنه لم يقم بأي عمل ضد إيران. وهناك من يراه امتداداً طبيعياً لتنظيم (القاعدة)، وطوراً أشد إرهاباً منه، ومقابل ذلك؛ من يراه تنظيماً مستقلاً عن (القاعدة)، وإن كانا يتفقان بالأيدولوجيا، والشعارات الدينية والممارسات الإرهابية، ولكنه يتشكل من خليط التنظيمات الدينية وبقايا البعثيين وعشائر الصحوة.
ولكن؛ قبل ترجيح أحد هذه الافتراضات؛ لابد أن نضع في الحسبان أهم المعطيات الواقعية، وهي: موازين القوى بالمنطقة لصالح من؟ والتجهيزات العسكرية، والقدرات التقنية، وشبكات الاستخبارات من يملكها؟ والأهداف الإستراتيجية لإعادة ترتيب المنطقة، من خلال مشروع (الشرق الأوسط الجديد)! ذلك المشروع من أطلقه؟ وهو المشروع الذي سيكون وليداً للفوضى الخلاقة! بل من بَشّر بالديمقراطية، والقيم الإنسانية من حرية وعدالة؟ هذه المعطيات لا تتوفر إلا لدى الدول اللاعبة على الساحة العراقية، وبالدرجة الأولى الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. فهما تعرفان كيف نشأ تنظيم (داعش) الإرهابي بحكم وجودهما في العراق، وما هي مصادر تمويله، وحجم تجهيزاته العسكرية، والتقنيات الإعلامية المتطورة التي يستخدمها، وفوق كل ذلك سرعة سيطرته على أراض واسعة في العراق والشام خلال خمس سنوات منذ إعلان التنظيم. حتى أصبح مصدر قلق كبير لأمن المنطقة وسلامة دولها، خاصةً أنه ينتهج أقصى درجات العنف والتفجير، ويتبنى العمليات الانتحارية، فلا يرى حرمة لأي إنسان، أو مسجد، أو مؤسسة مدنية. بل إن أتباعه يتلذذون بنحر ضحاياهم، أو حرقهم في سياق تشويه الإسلام السني. فهل الغرب عاجز عن تدمير هذا التنظيم؟ خاصةً أنه ظاهر، ويتحرك تحت أقماره التي تملأ فضاء العرب. ولماذا إيران غير خائفة من هذا التنظيم، وهو يملك قوة عسكرية على أرض العراق؟
وعليه؛ فمن يتمعن في جميع أعمال هذا التنظيم وممارساته يلحظ بسهولة ثلاثة أمور، غموض في تشكيلات قيادته، وغموض بطريقة تمويلاته المالية، ومن أين تجهيزاته المادية، وغموض في حقيقة أهدافه فلا تدري على ماذا يقاتل!؟ وهذا يجعله أقرب ما يكون لـ(حصان طروادة) في المنطقة العربية؛ لإحداث (الفوضى الخلاقة)، والفوضى الخلاقة مصطلح سياسي يعني إحداث فوضى أمنية متعمدة في منطقة بالعالم؛ لإيجاد حالة سياسية معينة، وقد صدر هذا المصطلح عن وزير الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس العام 2005م، خلال حديثها عن مشروع الشرق الأوسط الجديد. لأجل فرض القيم الديمقراطية في العالم العربي.
أما (حصان طروادة) فهو مفهوم فكري يعبر عن مكمن الخطورة في الدعوات المضللة، والأفكار الجديدة (الخداعة)، التي يحركها العدو من خلف الستار، أو يتركها أو يستخدمها لاختراق بنيان الأمة، وتمزيق وحدة الصف. كما فعل الإغريق عندما ضربوا حصاراً حول مدينة طروادة، وهي مدينة بحرية تقع في آسيا الصغرى، بعد قيام أميرها باختطاف هيلين ملكة إسبارطة إحدى المدن الإغريقية (اليونانية)، وعندما طال الحصار بسبب صمود المدينة وبسالة الطرواديين، ابتكر الإغريق حيلة تمكنهم من فتح طروادة بسهولة ودون قتال، بأن صنعوا حصاناً خشبياً، كبيراً ومجوفاً يستوعب في داخله مجموعة من المقاتلين، وبالفعل دخل فيه مجموعة من أبطال الإغريق، وانسحب الجيش الإغريقي مختبئاً خلف تلال قريبة يراقب الموقف تاركاً الحصان.
في الصباح استيقظ الطرواديون على رحيل جيش الإغريق، لكنهم فوجئوا بهذا الحصان الخشبي العملاق، وعن طريق جاسوس إغريقي يدعى سينون اقتنع قادة طروادة أن الإغريق اليونانيين قد تركوا الحصان (هدية سلام) بعد سنوات الحرب الطويلة، فأدخلوه إلى وسط مدينتهم طروادة، ثم أقاموا الاحتفال الكبير ليلاً بنهاية الحرب وانسحاب العدو.
وبعد أن نام الجميع خرجت المجموعة الإغريقية من جوف الحصان وفتحت أبواب المدينة للمقاتلين الإغريق، الذين اندفعوا نحو المدينة واستباحوها تقتيلاً وتدميراً وسبياً وهتكاً للإعراض.