محمد بن عيسى الكنعان
بعد اجتياح أفغانستان العام 2001م، من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين بحجة محاربة الإرهاب الدولي وملاحقة تنظيم (القاعدة) الذي يمارس ذلك الإرهاب، قررت الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش (الابن) غزو العراق بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، التي تهدد الأمن الأميركي. غير أن الفارق بين حالتي اجتياح أفغانستان والعدوان على العراق، أن الأولى كانت بقرار أممي وتأييد دولي، بينما الأخرى لم تلق موافقة دولية، واعتبرت عدواناً، خاصةً بعد انكشاف أكذوبة أسلحة الدمار الشامل. لكن الإدارة الأميركية استدركت موقفها السياسي المهزوز بأنها تسعى إلى إسقاط نظام (الديكتاتور) صدام حسين، الطاغية الذي قتل شعبه، وهدد جيرانه، ومن ثم إقامة نظام ديمقراطي يؤمن بالحريات والقيم الإنسانية، فكان العدوان إبريل العام 2003م.
إذاً صدام حسين لم يكن يملك أسلحة دمار شامل تهدد الأمن القومي الأمريكي!! ولكن الإدارة الأمريكية آنذاك اكتشفت أنه (طاغية، ويقتل شعبه، ويهدد جيرانه)، وسقوط نظامه سيجلب الديمقراطية الموعودة للعراق والحرية المفقودة لشعبه. لكن يبدو أن الذاكرة الأمريكية قصيرة المدى أو ضعيفة المساحة، فقبل فترة استيقظ العالم على تصريح جون كيري وزير الخارجية الأميركي، الذي اعتبر أنه لا وجود لحل عسكري في سوريا، إنما حل سياسي. وأنه لابد من التفاوض مع الأسد. هذا التصريح كشف حقيقة الموقف الأميركي الرافض تماماً للحل العسكري لإنهاء الأزمة السورية، وارتباط ذلك بالرؤية السياسية الأميركية لكل ما يجري في المنطقة العربية، في ظل السيطرة الإيرانية المتصاعدة بالعراق وسوريا، وتمددها في لبنان واليمن، ما يعني أن الأمريكيين لا يهمهم سقوط الأبرياء المتواصل تحت البراميل المتفجرة في سوريا، ولا مذابح الحشد الشيعي في المدن السنية العراقية، ولا إرهاب ما يسمى (حزب الله) في لبنان، وإسقاط الشرعية في اليمن من قبل الحوثيين عملاء إيران. فالذي يهم الإدارة الأميركية ويتفق مع مصالحها القومية العليا هو تحقيق (الشرق الأوسط الجديد)، الذي أعلنت عنه كونداليزا رايس وزيرة خارجية بوش الابن العام 2005م، من خلال الفوضى الخلاقة، التي يقوم بها تنظيم (داعش) والتنظيمات الشيعية الإرهابية لزيادة نار الطائفية بالمنطقة.
المبادئ الحضاري والقيم الإنسانية، التي تأتي في مقدمتها الحرية والديمقراطية والعدالة؛ لم تعد في قاموس هذه الإدارة الميكافيلية، بدلالة الازدواجية المقيتة التي تعاملت خلالها الإدارة الأميركية بين النظامين العراقي والسوري، وإن شئت الدقة، بين (صدام حسين، وبشار الأسد) رغم التطابق الكبير بينهما على شتى الأصعدة. فصدام من (البعث العراقي)، وبشار من (البعث السوري)، والبعث بشقيه هو تيار قومي علماني، وصدام لم يأت بانتخابات ديمقراطية نزيهة وكذلك الحال بالنسبة لبشار، وصدام مارس القتل والتعذيب والاعتقال مع خصومه السياسيين، وفئات من شعبه، وأيضاً بشار لازال يمارس القتل والتعذيب والاعتقال مع خصومه وشعبه، وصدام اعتدى على الكويت، ولبنان لم يسلم من نظام بشار، وصدام أعلن العداء لإسرائيل، وكذلك يعلنها بشار بما يسمى (محور الممانعة) بغض النظر عن أكاذيبها. بل إن صدام لم يستضيف جماعات مصنفة (إرهابية) لدى الإدارة الأمريكية كما فعل نظام بشار.
مع كل ذلك نجد الغرب وعلى رأسه أمريكا استخدم كل الوسائل السلمية والعسكرية لإسقاط نظام صدام حسين حتى تم ذلك بعدوان رفضه العالم، بينما هذا الغرب نجده لطيفاً مع نظام بشار، الذي يقتل شعبه منذ أربع سنوات، وعلى مشهد من العالم. ولا يريد أن يدعم الثورة الشعبية لإسقاطه، ويحرم الثوار من السلاح، ويتحدث عن حل سياسي على حساب أجساد أطفال سوريا تحت البراميل المتفجرة. هذه (عدالة الغرب) في التعامل مع الطواغيت. ليست القيم الإنسانية هي المعيار ، إنما المصالح ولا غيرها وأولها أمن إسرائيل المتحقق بوجود الأسد.