محمد بن عيسى الكنعان
الحكم على الوعي السياسي لدى أي حزب سياسي، أو تيار فكري، أو حتى جماعة دينية، أو ميليشيا عسكرية؛ يتم من خلال رصد حركته عبر مسارين، الأول يتمثل بالشعارات السياسية، والبرامج الانتخابية، والخطط التنموية، أو التصاريح الإعلامية.
أما المسار الآخر؛ فهو الأداء العملي، أو الجانب التطبيقي من قبل الحزب، أو الجماعة، أو التيار، سواءً كان في سدة الحكم أو في صف المعارضة. وعلى ذلك؛ فأكثر ما يميز واقع الأحزاب والتيارات السياسية في عالمنا العربي، أنها تنجح أو تكون على درجة عالية من الإقناع بالنسبة للجانب النظري في وعيها السياسي، بينما تخفق بشكل مروع في جانبها التطبيقي لأدائها السياسي. لهذا تستبعدها الشعوب في انتخابات لاحقة، أو تقوم عليها قائمة المؤسسات العسكرية المتوثبة في ثكناتها. أو تقوم هي بسحب نفسها من المشهد السياسي تحت لائحة الفوز من الغنيمة بالإياب. والأمثلة كثيرة على أحزاب وتيارات إسلامية، وعلمانية، سواءً كانت ليبرالية، أو يسارية سقطت في امتحان الجمع بين (النظرية والتطبيق) في أدائها السياسي.
غير أن الحوثي، أو الحركة الحوثية، أو (أنصار الله) كما يسمون أنفسهم؛ ظهروا بشكل مغاير عن كل الأحزاب والتيارات والجماعات في عالمنا العربي، لدرجة أن تجد الضحك يتسلل إليك (وشر البلية ما يضحك). فالحوثيين يتمتعون بقدر كبير من السذاجة السياسية على المستوى النظري، فضلاً عن الأداء السياسي، لذلك تجد كل مواقفهم السياسية، وممارستهم من انقلابهم على الشرعية اليمنية تؤكد أنهم آخر من يصلح لحكم اليمن. بل حتى أنهم لم يتعلموا من سياسة الثعالب التي يمارسها علي عبد الله صالح. فرغم أنهم جاؤوا بانقلاب واضح على الشرعية، ومارسوا عمليات قتل وتدمير وملاحقة لخصومهم السياسيين، إلا أنهم زادوا على ذلك بغباء سياسي في التعاطي مع الواقع الذي أصبحوا جزء منه. فبدل أن يحاول أن يستوعبوا مؤيديهم، ويقابلوا خصومهم بالاحتواء من خلال المشاركة السياسية، نجدهم يبطشون بهم، ويطلقون ميليشياتهم لإسقاط المدن، ويحتلون مؤسسات الدولة، ويضعون أيديهم على أسلحة الجيش، ويعلنوا أنهم مع الثورة الشعبية وضد الفساد، بينما تتكشف الأيام أن أيديهم بأيدي علي عبد الله صالح رأس الفساد.
ثم واصلوا إفشال كل مساعي المصالحة والتوافق اليمني، بما في ذلك المبادرة الخليجية، بحجة أنهم الطرف الأقوى بين كل القوى السياسية على الساحة اليمنية، لذلك رفضوا (حوار الرياض)، الذي دعا له خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (يحفظه الله)، وقد كان فرصة ذهبية لهم قبل غيرهم؛ لتأكيد شرعيتهم بين قوى اليمن، ولو كانوا أهل سياسة وحكم لعملوا على استثمار مشاركتهم في تحقيق قبول شعبي لهم، من خلال تأكيد أن مصلحة اليمن فوق المصالح الحزبية أو الضيقة، وبذلك يكرسون وجودهم كتيار أو حزب سياسي، وليس ميلشيا أو عصابة. لكنهم يصرون على الممارسات العبيطة، التي تكشف جهلهم المطبق في السياسة، التي تعني في مفهومها الواقعي (فن الممكن). لهذا كانت المفاجأة التي لم يتوقعوها، والصفعة التي أفاقوا بسببها على حقيقة حجمهم، وأنهم مجرد جماعة عميلة لطهران، وليست تياراً يعمل لمصلحة بلده. عندما دكّت (عاصفة الحزم) معاقلهم وأسلحتهم، التي استُخدمت لنهب اليمن وإسقاط الشرعية.
غير أنهم لازالوا يتعاملون مع الواقع السياسي بغباء منقطع النظير، فعوضاً عن أن يعوا درس العاصفة، ويدركوا حجم الخطأ الذي ارتكبوه بحق بلدهم وشعبهم وبالعدوان على المملكة، نجدهم يرفضون (مؤتمر الرياض)، ويوافقون على (مؤتمر جنيف)، فلو كانوا سياسيين حقاً لأدركوا أن مؤتمر الرياض هو فرصتهم الأخيرة للعودة إلى البيت العربي، بحيث يفتحون صفحة جديدة مع المملكة، فهي جوارهم التاريخي والبلد الذي وقف مع اليمن على امتداد تاريخه بالخير والعون والمساعدات وفرص العمل، وليس دولة الفتن التي حولتهم إلى عملاء وزدتهم بالأسلحة لقتل شعبهم.