محمد آل الشيخ
كان الإيرانيون في الماضي يجدون من يخدمهم ويسوق أجنداتهم، من خلال بعض الفضائيات العربية، أو من بعض السذج والدهماء العرب، الذين جعلوا من عميل الفرس اللبناني «حسن نصر الله» بطلاً لا يُشق له غبار. غير أن سقوط حزب الله، ومعه الإيرانيون في المستنقع السوري، فضحهم وعراهم، وأصبحت ذريعتهم (تحرير فلسطين) التي يرفعونها كشعار لتمرير أجندتهم التوسعية في بلاد العرب، أوهى من بيت العنكبوت. عندها لجأ الإيرانيون إلى الإعلام التمويهي العربي المتفرس، فاستقدموا من قناة الجزيرة القطرية أحد مذيعيها التونسيين، ممن تربطه بالشيعة اللبنانيين أواصر مصاهرة، وهو «غسان بن جدّو» لينشئ لهم قناة فضائية في بيروت، بجوار قناة (المنار) التابعة لحزب الله، رأس حربتهم في لبنان، وكذلك قناة (العالم) التابعة لهم رسميا، والتي تتبنى الخطاب المذهبي الصفوي علنا، وتبث هي الأخرى من بيروت، تحت حماية حِراب حزب الله.
القناة سماها ابن جدّو (الميادين)، وهي تروج توجها سياسيا أُعدَّ سلفا؛ غير أن (عاصفة الحزم) وما أحدثته من متغيرات على الساحة الإقليمية العربية، إضافة إلى تنامي شعور التعصب المذهبي لدى الجماهير العربية، فضلاً عن انكشافهم ومعهم حزب الله في سوريا، لدى كثير من العرب، بمن فيهم جزء كبير من الشيعة اللبنانيين أنفسهم، جعل مهمة ابن جدّو والعاملين معه تبدو مستحيلة؛ فإن هو واكب مزاج المواطن العربي ولبّى توجهاته المناوئة لإيران ولسياساتها التوسعية، طرده الإيرانيون، وإن هو كرر الخطاب الإعلامي المذهبي، المنحاز لإيران وحزب الله علنا، كما هو خطاب قناة (المنار) وخطاب قناة (العالم) سيفقد أسباب وجوده، لأن أهداف القناة عندما تأسست، كان أن تقف موقفا يبدو (حياديا وموضوعيا) في الظاهر، وهو في المضمون والأهداف البعيدة، يخدم الأجندة التوسعية الإيرانية، فلم يعرف ابن جدّو كيف يخرج من مأزقه الذي جعله يبدو أمام المتلقي العربي، أشبه ما يكون (بابن العلقمي)، صاحب السمعة السيئة في تاريخنا، الذي باع بغداد للغزاة التتار، وها هو ابن جدو يبيع العرب للغزاة الفرس.
وقد انعكس هذا المأزق على محتوى ما تبثه القناة، فظهر ارتباكها وارتباك خطابها الإعلامي واضحاً جلياً، ما جعله كمن يبيع (الحَشَف ويُطفف في المكاييل) في السوق الإعلامية؛ وهذا يتضح من صياغة أخبار الأحداث، ونوعية المعلقين والضيوف الذين يستضيفونهم في قناة الميادين، فلا تجد محللا أو معلقا ذي قيمة أو وزن، سوى معلقي ومحللي قناة المنار، الذين لا يُقنعون في مرافعاتهم ولو عجائز (قرى) لبنان؛ فالمعلق والمحلل الذي يحترم نفسه، ويرفض أن يُملى عليه ما يقول، فلن يقبل أن تستضيفه هذه القناة (المسخ) لأنه سيصنف تلقائيا (مطية) لملالي فارس وأجنداتهم، بعد أن انكشفت هذه القناة، واتضحت توجهاتها. لذلك فانحدار مؤشرات انتشارها بين القنوات العربية الإخبارية إلى الحضيض، جعل قدرتها على البقاء والاستمرار محل شكوك، فلا بد أن يكتشف الإيرانيون أن ما كانوا يأملونه منها حينما وافقوا على تأسيسها وتمويلها، لم تكن كما كانوا يتوقعون، الأمر الذي يجعل استمرارها ضرباً من ضروب الضمان الاجتماعية للعاملين فيها لا أكثر، فالأرقام التي لا تكذب ولا تجامل من مؤسسات الرصد ومتابعة المشاهدة المستقلة، تؤكد أن الجدوى الإعلامية لهذه القناة لا تكاد تذكر. والإيرانيون الذين كانوا يوما ما يغدقون على مناصريهم دون حساب، أصبحوا اليوم يفركون (الليرة اللبنانية) بالإبهام والسبّابة جيدا قبل صرفها، كي لا تكون ملتصقة بها ليرة أخرى وهم لا يعلمون. لذلك فالإغلاق قادم لا محالة.
إلى اللقاء.