محمد آل الشيخ
ما فعله الدواعش في سيناء، يبدو أنـه سيشعل فتيل نهايتهم، وتخليص العالم منهم، وكذلك من (الأم) التي أنجبتهم، وأنجبت كل التنظيمات المتأسلمة السرية الإرهابية، وهي بلا أدنى شك (جماعة الإخوان) المتأسلمين.
اغتيال النائب العام المصري كان بمنزلة القشة التي ستقصم ظهر البعير الإخواني لو كانوا يُقدِّرون المآلات حق قدرها؛ فقد أعادت إلى الأذهان تاريخهم مع الاغتيالات، وجعلتهم تلقائيًا في (قفص الاتهام)، فهم المستفيدون (تشفيًا وانتقامًا) من عملية اغتيال النائب العام، وحشدت ضدهم ليس الحكومة والجيش المصري وأجهزة الأمن فحسب، وإنما كل الجماهير المصرية قاطبة؛ فقد شعر المصريون أن المستهدف ليس الرئيس السيسي والجيش المصري كما يُموّهون في إعلامهم، وإنما وجود الدولة المصرية برمتها؛ وتأكَّد هذا الشعور عندما هاجم الدواعش في سيناء الجيش على حين غرة، في تزامن مع حادثة الاغتيال، وكبّدوه خسائر نسبيًا كبيرة، والأهم جرحوا كبريائه وكبرياء قادته، فكانت ردة الفعل عنيفة وشرسة، فما كان يراعيه الجيش في تعاملاته السابقة، من رأفة بالحاضنة الشعبية للإرهابيين في قرى سيناء، لن تكون بعد الآن عاملاً جوهريًا في الصراع، فالمؤشرات التي يقرؤها المحلل من الغضب المصري العارم، رئيسًا وحكومة وشعبًا، تقول إن الاكتساح سيكون مدمرًا، وسيكون من ضمن الخاسرين، أهل شمال سيناء، الذين كان الدواعش يتدرعون بهم، فليس ثمة من طريقة الآن للقضاء عليهم، إلا بالقضاء على الدرع ومن يتدرع به.
وكما تثبت الأحداث وتؤكده الوقائع يومًا بعد الآخر، فكل سموم الإرهاب المتأسلم، أصله ومصدره ومكمن ينابيعه، والرحم الذي أنجبه جماعة الإخوان؛ فهم بمنزلة الأفاعي التي تنتج هذا السم الزعاف؛ ولديّ قناعة لا يخالجها شك، أن القضاء على ظاهرة العنف المتأسلم، الذي تطرف وتغول، حتى أصبحت وحشية «جنكيز خان» لا تقاس عند مقارنتها بما يقترفه الدواعش من فظائع متوحشة.
وكانت مشكلة مصر، أن هذه الجماعة الشيطانية الخسيسة، حينما حكمت مصر، ذهبت أول ما ذهبت إلى أجهزة الأمن المصرية، وانتقمت منها، وفرغتها من كل وثائقها وسجلاتها الأمنية، وأحالت كبرائها وأصحاب الخبرة فيها إلى التقاعد، وقلمت أظافر قدراتها وقوتها؛ ومعروف من الخبرات المتراكمة لدى المختصين في مكافحة الإرهاب، أن أهم الأسلحة في مكافحة الإرهاب هي (المعلومة)؛ فالمملكة - مثلاً - استطاعت أجهزة الأمن فيها، أن تحمي بلادنا وهي بمنزلة القارة، مترامية الأطراف، بحواضرها وسهولها وجبالها ومسالكها الوعرة والنائية، وقراها القصية، وتُحصنها من شرور الإرهاب، بقدرتها المتفوقة للوصول إلى المعلومة، واختراق خلايا الإرهابيين؛ وأي جهاز أمن لا يملك المعلومة، ولا يعرف كيف يصل إليها، فسوف يفشل قطعًا في مواجهة الإرهاب. وهذا ما يعانيه الأمن المصري، بعد أن أفسد الإخوان إبان فترة حكمهم سجلات الرصد والتتبع الأمنية.
وأحداث سيناء الأخيرة، أثبتت بالوقائع على الأرض أن الإرهاب المتأسلم منظومة واحدة متكاملة، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، ويتداعى هؤلاء لنصرة أولئك؛ ويوزعون أدوارهم بين فعاليات تدّعي المسالمة وتُظهر اللين والتسامح، وتتعمد أن تبدو مبتسمة بشوشة، أنيقة المظهر واللفظ، وتُجاهر بأنها تؤمن بالحوار، وبالتعددية، وبالدعوة بالتي هي أحسن، وهم جماعة الإخوان المنتمون للجماعة الأم - (البناؤون) - وفي الجهة الأخرى، هناك فعاليات منهم تتعمد أن تبدو على النقيض، مُتجهمة عنيفة فظة غليظة قولاً وفعلاً ومظهرًا، إقصائيون يزعمون أنهم يمتلكون الحقيقة، وهذه الفئة منهم لا تتردد في التكفير وتنأى بنفسها عن التفكير، وتتعوذ بالله منه، تسير خلف مشايخها، وتُقدس ما يقولون، وتُنفذ رغباتهم دونما تفكير، وتغتال من يأمرونها بالفتك به، حتى وإن كانوا آباءهم أو أقرب الأقرباء لهم؛ وهؤلاء وهؤلاء متفاهمون ومتفقون ضمنًا على توزيع الأدوار، وإن أظهروا الخلاف، وأحيانًا الخصام، فهم يعملون وبتنسيق لتحقيق ذات الهدف. والآن بعدما رأى المصريون واضحًا جليًا التنسيق بين عمليات داعش في سيناء وتزامنها مع عمليات جماعة الإخوان في القاهرة، اتضح لهم أنها منظومة إرهابية متكاملة، الليّنون منهم والمتجهمون، فاللين والتجهم، مجرد ذر للرماد في العيون لا أكثر.
وختامًا أقول: رغم ما وصل إليه الدواعش، وممارساتهم المغولية المتوحشة، وعملياتهم الإرهابية المؤلمة، التي لم تخطر على بال بشر ولا جان، إلا أنني بعد عملياتهم (الحمقاء) في سيناء بدأت أرى بصيصَ أمل، وتنفُّسَ ذُبالة شمعة تلوح في نهاية النفق المظلم؛ فالغبي الأحمق من قاده غروره إلى أن يقتحم عرين الأسود متوهمًا أنه سيقتلعها من عرينها وليس معه إلا مجرد (خنجر) صَدِئ وجده في إرث ابيه!
إلى اللقاء