أ.د.عبد العزيز حامد أبو زنادة
كيف أرثيك.. بل كيف أبكيك يا سيدي وأخي وصديقي ومعلمي؟.. فقد تحجرت العبرات والمآقي، وتوقف القلم عن التعبير.. فمصاب الوطن والأمة فيك عظيم.. أيها الاستثنائي.. بل أيها الظاهرة الإنسانية.
لقد بكتك قبلي الملايين ممن عرفوك وأحبوك.. وأكاد أجزم أن لا أحد سيحالفه التوفيق للتعبير عن عظم الخسارة التي مني بها الوطن والأمة العربية والإسلامية.
إن الحزن الذي ألمّ بنا لمصابك عصي عن التعبير عنه، ولن نقدر على التعبير عن مشاعرنا الجياشة لمصابنا الجلل.
أنت يا سيدي قمة القمم.. فقد كنت قمة في تعاطيك مع كل من حولك ومن عمل معك.. قمة في أخلاقك.. قمة في تفاعلك الإنساني.. لقد كنت يا سيدي قمة عندما تعبّر عن أفكارك.. قمة في فكرك.. قمة في الذكاء.. قمة في الإدارة.
يا سيدي لقد كنت أيضاً معلماً ومرشداً وأستاذاً لكل من عملوا تحت قيادتك.. ولقد شرفت بأن أكون أحد من أخذوا عنك.. لقد تعلمت منك الكثير على الرغم من تخصصي الأكاديمي الذي يتضاءل أمام فكرك وعلمك وقدرك.
حقاً، لقد كانت تلك السنوات التي قد تم العمل فيها بكل مهنية في مجال المحافظة على البيئة الطبيعية بالنسبة لي فترة استثنائية.. وكانت من أجمل سنوات حياتي وأكثرها ثراء بالمعرفة التي تدفقت من فكرك؛ لذلك جاء العمل الذي تبنيتموه وقدمتموه لوطنك ذا نوعية وقيمة خاصة.. لأنكم قدمتموه بقناعة وإيمان.. وذلك - في نظري - هو مفتاح النجاح الذي حالفكم والذي كان - بلا شك - نجاحاً قياسياً غير مسبوق؛ إذ كنت فيه أنت القائد الملهم والراعي لمسيرته التي استمرت ما يزيد على عقدين من الزمان، ولن أجافي الحقيقة لو قلت إن غيابكم عن إدارة شؤون المحافظة على البيئة الطبيعية خسارة فادحة، أحس بها الكثير من المتابعين لمسيرة المحافظة، ليس هنا فقط بل في خارج البلاد وفي منظمات المحافظة العالمية.. الكل أحس بغياب ذلك الوهج وذلك الزخم الذي كان إحدى سمات تلك المرحلة.
يا سيدي لن أذيع سراً لو قلت إن غيابك في تلك المرحلة كان محسوساً من قِبل المواطن العادي الذي أشركتموه في الحماية.. سيذكرك كل هؤلاء لأنك قدمت لهم وأعدت لهم شيئاً عزيزاً على قلوبهم، يتمثل في رموز البيئة واحيائها الفطرية.. لذلك اعتبرك الكثير أيقونة العمل البيئي في تلك الحقبة الزاهرة من الزمن.
ولئن اعتبرك الجميع أيها الراحل العزيز عراب الدبلوماسية السعودية فليس من شك أنك بما قدمت من أعمال جليلة في مجال البيئة الطبيعية أيضاً عراب البيئة الطبيعية.
ولن ينسى المتابع لمسيرتكم في هذا المجال كم محمية أسستم من العدم.. كما لن ينسى كم من رموز الحياة الفطرية السعودية أعدت إلى مواطنها الطبيعية في المملكة.. وإن المتابع لأعمالك هنا وفي الخارج سيظل يختزن في ذاكرته ما قدمتموه من أبحاث علمية جديدة، كانت أساس العمل، وكان لك فيها فضل الريادة، وكانت تجربة المملكة فيها مثار الإعجاب، بل لقد سار على نهجها الأشقاء في دول كثيرة.. ولن ننسى كلماتك التي أكدت من خلالها مدى ما شعرتم به من أهمية ذلك العمل؛ إذ قلت: عايشت الحياة الفطرية منذ الطفولة؛ إذ عشقتها واكتسبت أخلاق المحافظة عليها في مدرسة والدي ووالد الجميع الفيصل العظيم.
رحمك الله رحمة واسعة، وأتضرع للبارئ أن يجمعنا بك في الفردوس الأعلى، وأن يجزيك الله خير الجزاء لما قدمته لوطنك.
ولا يفوتني أن أتقدم بواجب العزاء لوالد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ولإخوان وأخوات وأبناء وبنات الفقيد، رحمه الله، وتقبله القبول الحسن، إنه سميع مجيب.