سعدت بأن تواتت لي فرصة حضور جانب من فعاليات المؤتمر الثالث للعلوم الذي عُقد برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، وقامت على تنظيمه مشكورة كلية العلوم بجامعة الملك سعود. وحظي هذا المؤتمر بمشاركات طيبة من العديد من الباحثين من داخل المملكة وخارجها؛ حيث بلغ عدد البحوث المقدمة ما يزيد على 252 بحثاً في مختلف مجالات العلوم، بما في ذلك علوم الكيمياء والكيمياء الحيوية وعلوم الحياة وعلوم الفيزياء والفلك والرياضيات والإحصاء وبحوث العمليات، شاركت في تقديمها تسع عشرة دولة. وقد جاء انعقاد هذا المؤتمر في وقت نحن في أمس الحاجة إلى تحريك عملية البحث العلمي لتواكب حركة التنمية في بلادنا.
وإن كان من رأي يمكن أن يثار في هذه السلسلة من المقالات التي تستهدف التطرق إلى ما هو منتظر من أبحاث تقدمها الجامعة - أيّ جامعة - استجابةً لاحتياجات المجتمع من بحوث علمية، وهو ما كنت قد بدأته الأسبوع الماضي بالحديث عن دور هذه المؤتمرات في معالجة هذا الأمر بغية التوصل إلى تحقيق رسالة الجامعة؛ حيث ذكرت في الحلقة السابقة من هذه السلسلة أن الوقت قد حان في - تصوُّري - لإعادة تحديد معالم رسالة الجامعة، وبالأخص ما يتصل منها بكيفية تفاعلها مع معطيات المرحلة الراهنة واحتياجاتها التنموية، وبما يمكّن أيضاً من اللحاق بركب التطور العلمي، آخذاً في الاعتبار شقي العملية الأكاديمية؛ التعليمية والعلمية، وذلك انطلاقاً من أهمية أن تتسم هذه الرسالة بالديناميكية وتبتعد عن الجمود أو الممارسات الروتينية، سواء من حيث الأداء أو طبيعة ونوعية المعالجات العلمية التي تمارس داخل أروقة الحرم الجامعي ومختبرات البحوث، بما يكفل الاستجابة للمتغيرات المعاشة على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتقنية.
والمستعرض لبرنامج مؤتمر العلوم يجده مكتظاً ببحوث لا يجمعها غير وحدة الموضوع العام ذي الصبغة الأكاديمية البحتة دون أي تخطيط أو توجيه صوب أي مجالات تنموية أو أية قضايا تتعلق بذلك؛ لذلك فقد أتت هذه البحوث كما يبدو لتعكس بشكل عشوائي طبيعة الممارسات الأكاديمية التي تؤطّر عملية البحث العلمي في جامعاتنا، وهي كما يبدو لا تنطلق بالضرورة من توجهات محددة أو محاولات تهدف إلى ربط هذه الأنشطة البحثية بمعطيات ومتطلبات عجلة التنمية الوطنية.
وأتساءل هنا: ألم يكن من الأحرى أن تناقش مثل هذه المؤتمرات قضايا مثل مشكلات المياه المتفاقمة ليس على المستوى المحلي أو الإقليمي فقط بل على المستوى العالمي، أو مشكلات المخلفات واستنزاف الموارد الطبيعية، أو ما يثار حول قضايا التلوث وتغير المناخ وكيف ستتأثر بلادنا بذلك؟!
ألم يكن من المجدي أن تستأثر قضايا الطاقة والطاقة البديلة بجانب من اهتمامات هذه اللقاءات؟! ثم ألم يكن مفيداً لو عقدت حلقات درس ومناقشات يُستفاد فيها من هذا التجمع العلمي لأكثر من ثلاثمائة عالم من بلادنا مع علماء من دول أخرى لمناقشة كيفية مواكبة العمليات التنموية الناجمة عن إنشاء المدن الصناعية التي يتبناها خادم الحرمين الشريفين؟!
وأتساءل أيضاً انطلاقاً من إيمان وقناعة بالطاقات العلمية التي تذخر بها جامعاتنا، وفي ضوء ما يظهر من انفصام في العلاقة بين مؤسساتنا الجامعية وما تمليه احتياجات التنمية من ضرورة التكامل، وإزاء هذه التساؤلات هناك أسئلة أخرى تفرض نفسها بقوة تتعلق بالأسباب خلف الحالة التي تعايشها البحوث الجامعية: هل يعود ذلك إلى خلل في سياسة البحث العلمي الجامعي، أم هو نتيجة حتمية للتقوقع الأكاديمي، أم هل هو ناتج لعدم توفر القناعة لدى المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لدينا فيما يمكن أن تقدمه جامعاتنا من حلول وإسهامات؟!
ألسنا في ضوء كل ذلك في حاجة إلى ملتقيات أو منتديات على أمل الاتفاق على ما هو مطلوب لتحقيق رسالة الجامعة في دعم عملية التنمية تجمع بين رجالات العلم بالجامعات ورجال الصناعة والتنمية في شتى مجالاتها؟!
* نائب رئيس الاتحاد العالمي للمحافظة - رئيس المجموعة العربية النباتية IUCN