رمضان جريدي العنزي
فتح صديقي بريده الإلكتروني فوجد رسالة قديمة من ابنته وجد، تهنئه فيها بترقيته الجديدة، وبأنها ستهديه وردة مغلفة بورق السلوفان، هذه الرسالة كادت تصيب صديقي بالجنون الفوري بدلاً من السعادة، فوجد كانت قد غادرت الحياة مع خمسة آخرين من أفراد عائلته
قبل أسبوع في حادث من أفظع ما يمكن للخيال من تصوره، فقد صدمتهم سيارة مجنونة يقودها شاب أرعن، ليقضي على وجد مع أمها وأربعة من إخوتها، اشتعلت النار في السيارة فوراً، ودفع صراخ الأطفال في هذا الجحيم أحد المارة ليحاول فتح أبواب السيارة، فما كان من السيارة إلا أن أصبحت كتلة لهب رشقته بنارها ليخر صريعاً هو الآخر، بقت وجد تصرخ مع أمها وإخوتها في النار حتى الموت، بعد خسارة صديقي لأسرته في هذا الحادث المأسوي شديد الوقع، ظل يعاني من ذلك كثيراً، فقرر أن يهجر منزله ثلاثة أشهر لعله يهزم حزنه، ويسقط همه، ويزيل من ذهنه الصورة المأساة، وحيدا كل يوم يركض حول مدار حزنة، للضوء عنده شحوب، وللنهار ظلام، يقفز نهاره على ليله، وينظر للأفق البعيد بعينين بائستين، يدندن مع نفسه، يسحب صور أبنائه يضمها بحنو لصدره، كمسافرين ينتظر نهاية لغيابهم، هائم في رحيلة، يتبع خيوط الضوء الشحيح، ونفسه يمررها لآخر المطافات البعيدة، الحزن انبثق من روحه، وأسدل على روحه الظلام، هذه القصة أكتبها للعبرة مع أنني أدرك بأن كلماتي لا يمكن أن تعوض صديقي خسارته الأسرية الفادحة، ولا تعيد له حياته وأشياءه وأوضاعه كما كانت، إن هذا الحادث الجريمة يتكرر في بلادنا شبه يومي، أن الجرائم الحربية تكون شديدة العنف والقسوة والدمار، إلا أن الحوادث المرورية تكون في كثير من الأحيان أشد فتكا وقسوة من رصاص البندقية، وقصف الطائرات، وقذائف المدافع، إن جحيم الحوادث صار يقلقنا ويقض مضاجعنا ويصيبنا بالفزع، لأن أغلب من يرتكبون هذه الحوادث من الشباب المراهق، الذي يفتقد للحلم والأناة وغياب الرقيب والحسيب والمتابعة، أن أصواتنا يجب أن تكون عالية بما يكفي لإيقاف هذه الحوادث الشنيعة وويلاتها التي تشبه الحروب الفتاكة، أن من يقف بين الناس والحياة الهانئة هم مجموعة مراهقين يجب ردعهم بالقوانين الشديدة الصارمة الحازمة، لكي نجعل من هذه الوحوش البشرية أن لا تضرب يميناَ وشمالاً وتنشر الحزن والأسى والدموع حيثما مروا وساروا، أننا نأمل كل الخير من مرورنا، ونعقد عليه الآمال في تخليصنا من هؤلاء الوحوش السائبة، إننا لا ننكر جهوده في مكافحة هؤلاء، لكننا نريده أكثر حزماً وقوة وصلابة ومنعة، أن ضحايا الحوادث المرورية بكل أسف أصبحت تفوق بكثير ضحايا الإرهاب، وهذا العامل ممكن التغلب عليه بتفعيل القوانين والتشريعات وإصدار القوانين الجديدة بما يتناسب مع الوضع الحاصل الرير، وذلك بوضع إستراتيجية وطنية لها أهداف محددة وغايات يتم تنفيذها حسب خطة زمنية محددة وعاجلة لمعالجة ظاهرة الحوادث المرورية المميتة، أن دم الإنسان غالي وثمين، وعلى المرور وكل قطاعاً أو مدرسة أو معهداً أو جامعة أو فرداً أو راعياً أو أباً أو أماً أو أخاً أو أختاً أن لا يسمحوا بأن تذوب قيمة الدم الإنساني تحت عجلات المراهقين واللامبالين، وأن يكون هم الجميع الأكبر كيفية إيقاف هذا النزيف الدموي اليومي الهادر، بكل قصصه ومآسيه وأشكاله وتنوعاته.