رمضان جريدي العنزي
الشهيق أكثر فداحة من الزفير، والكتابة تحت الصفر أو فوق درجة الغليان مهمة صعبة يجب عندها تثبيت بلاغة المفردة، فقد يتفصد الكلام تحت انتصاب الهاجرة، سأضرب بعصى الخيزران الغليظة قارعة الطريق، وسأصيح بأعلى قامتي الشمس أجمل في بلادي من سواها، والمطر الشحيح أكثر بهاءً وهو يبلل نباتات صحرائه القاحلة، تحت ظله الكثيف كظل صفصافة تحضرني إغفاءة وحلم قديم وكلام سيجيء، سأنفث بالكلام، لأن في القلب غصة، وفي الجسد حمى تتفصد، لذا سأفتح أحزمة ضوئية في حجيرات العقول التعطيلية، وسأصبح كرمح في حلوقهم، سأطوي بلا ندم صورهم المتهرئة الحائلة ضد التمدد، وسأنزع عنهم أوسمة بلهاء علقوها رمزاً لمعارك منسية، وسأكف ألسنتهم عن لوك انتصارات وهمية لأتهم أحداً، عندها سأكون قد اقتربت كثيراً منهم، لأن عينيّ ستدوران في محاجر عيونهم كذباب حائر في زجاجة، يوم يصبح جسدك مثخناً بالجراح، سوف لن يعد من مكان لجرح جديد، لكن عندما تزول الجراح وتصبح سطحية، سيصبح جسدك كله جرحاً يبتسم للألم، لهذا سأجز كل الحبال التي كانت تربطني إلى حظيرة الخوف، لأني لست مضطراً للعب دور البهلوان في حضره المتفرجين، وسألقي بمشاعل غضبي النبيل إلى أغوار نفوس سحيقة لتحرق بلهيبها جثث عشش فيها العفن طويلاً، سأطير مستصغر الشرر لأخرجهم من رمادهم كيوم ولدتهم أمهاتهم حتى تفلت منهم بسمة وعمل دؤوب، الظلاميون فئة تعيش أجواء التقهقر والخنوع وتقطر مرارة، الأجدر بهم أن يتنحوا خلف ضجيج الزحام، ويتركوا الأرصفة عشباً والمدويات حقول تشب فيها أزهار البنفسج والريحان، ليلهم المشغول بالنكوص يجب أن تزاحمه الشمس قبل أن يقلم ظلامهم أضواء المدينة ليحيلوا البهجة إلى قط مدجن، والإنسانية إلى ديناصورات للفرجة خلف زجاج متاحف التاريخ، أو إلى فئران تجارب تموت في أجهزة المختبرات، يوم تذوب عقول الظلاميين التعطيليين تذوب عندها البدايات وتنتهي كل النهايات حتى تصبح حلقة صدئة وتصبح عندها اللحظة الراهنة رهانا ميتا وخيارا مقيتا، عندما تنشف مشاعر التعطيليين وتتعطل حواسهم يصبح القليل كثيرا ويصبح الكثير قليلا، الظلاميون في كل مكان لهم تكتيكات متشابهة، الظلاميون لهم بحوث لكنها غير مجدية مثل البحث عن الحب المستحيل ذلك المخدر الذي يغشى بسرابه القلوب البريئة، لهم لهاث يشبه بريق الغريزة الخداع، ليس لهم حكمة، بل جمرة تحرق كف من يقلبها، لهم عقول لكنها ملفقة وغير نيرة، عبثا يحاولون استبدالجوههم المجعدة بوجوه بارقة، أنهم يشبهون بالضبط من يستعيض عن شعره الحقيقي بشعر مستعار خيوطه من فضة!! الظلاميون لديهم دور لكنه ليس يقظا، موسيقاهم ليس لها انتشاء، للوجع في نفوسهم لون السواد، ليس لهم حب، وأعمارهم كاملة أقصر مما ينبغي، همسهم مخنوق، وتطلعاتهم بالكاد ترقى، إنهم فريق عمل ميت، التردي ألقى عليهم نظرة، غاضبون ومضبضبون مثل خشب نصبت لتجتر حكايا مدثرة بالظلمة، لهم منهجية في التعطيل والتأخير والتسويف والمماطلة، ليس لهم ضوء ولا إشراقه ولا تمدد، حتما أنهم آفلون لأنهم في بلادي المفتوحة للشمس لن يفلحوا أبداَ، لأنهم سينفون من الحلم واليقظة إلى ضجيج الزحام والغبار، وسيبقون وحدهم دوننا، لأنهم شفاه مارقة همها مراوغة الطيران الجميل، ولأنهم ينامون على قلق، ويصحون على قلق، ويعيدون ضياع العمل والإنتاج، ويعاقرون الغباء والكسل ومحادثة الغبار الأصفر والرماد.