اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
ينبغي ألا يغرب عن البال أن الدولة في زمن السلم، يتعين عليها الاستعداد والإعداد لوقت الحرب، حيث إن الاستقرار واستتباب الأمن هو الوقت المناسب للتسلح والتأهب لمواجهة التهديدات والمخاطر المحتملة، وما يعنيه ذلك من امتلاك
زمام المبادرة، وتحقيق مبدأ الاستعداد قبل الخطر والتحسب له، وبمجرد إخفاق الدولة في هذا الجانب فإنها تفقد قدرتها على حماية شعبها، ويختل أمن حدودها، وتصبح عرضة لمطامع الأعداء، وتنهال عليها المكاره من كل حدب وصوب، وثمة قاسم مشترك ورابط وثيق بين تنمية الوطن وبنائه من الداخل وبين الحفاظ على هيبته وكرامته من الخارج، وطرف المعادلة الثاني يقوم على طرفها الأول، وكل منهما يخدم الآخر ويعزز وجوده، وذلك أن تطور الوطن وازدهاره مرهون باستتباب أمنه واستقراره، وهو أمر لن يحصل إلا بالاهتمام بالقوة العسكرية واستثمار زمن الرخاء تحسباً لأوقات الشدة.
وقد بلغ من أهمية التيقظ والحذر أن العدو الضعيف الذي يكون حذراً ومحترساً من عدوه القوي أحرى بالسلامة من ذلك القوي المضيع لفرصته والمنخدع بعدوه الضعيف، كما أن مداومة الاستعداد والتحسب للأسوأ أثناء الضعف فيه من القوة العقلية ما يعوض عن نقص القوة العضلية، والتيقظ والحذر هما المدخل إلى بناء القوة وجاهزيتها وبدونهما يتم إهدار القوة واستخدامها في غير زمانها ومكانها، وقد قال عبدالملك بن مروان: ما حمدت نفسي على محبوب ابتدأته بعجز، ولا لمتها على مكروه ابتدأته بحزم، وكما قال الشاعر:
لا تسعَ في الأمر حتى تستعد له
سعي بلا عدة قوس بلا وتر
والحق لابد له من قوة تدافع عنه وتحافظ عليه، وبدون القوة لا يقوم للحق قائمة، وقد قيل: القوة أسبق من الحق، ونقطة ضعفها في أنها لا تؤمن إلا بنفسها، وصوتها يعلو على كل صوت، وهذا الزمن لا مكان فيه للمصادفات، ولا يسمح فيه بالمفاجآت، والذي يستعد للأمر لا يتفاجأ فيه، ومَنْ أهمل الاستعداد لملاقاة خصمه في زمن الأمن وتوفر مقومات القوة لديه، تحول أمنه إلى خوف، وفقد مقومات قوته، وانتهى به الأمر إلى الفشل والهزيمة، وعلى العكس من ذلك فإن مَنْ يتوقع أخطر ما ينتظره من المواقف يتخذ احتياطاته تجاهها، ويحسب حسابه لأصعب احتمالاتها، ممهداً الطريق معنوياً ومادياً نحو النجاح والنصر، وكما قال الشاعر:
واحسب لشر العدو من قبل موقعه
فربما جاء أمر غير محتسب
ولا تؤخر فعلاً صالحاً لغدٍ
فكم غدٍ يومه غادٍ ولم يؤب
وتوازن القوى وتكافؤها بين الدول المتنازعة هو أنجح الوسائل لإبعاد شبح الصدام المسلح، وتحقيق الاستقرار سواء أكان ذلك على المستوى التقليدي أو ما فوق التقليدي وصولاً إلى النووي، والاختلاف بين الردع التقليدي والردع النووي يكمن في درجة الفاعلية ومستوى المخاطرة والمغارم المترتبة عليها، كما أن القوة التقليدية في مفهومها التكتيكي، ليست رادعاً مطلقاً لكونها لا تستطيع أن تمتلك قدرة مضمونة على البقاء، فهي رادع جزئي حسب مفهوم الردع التقليدي، وتصنيف ذلك مستمد من درجة الردع أو من خاصية فقدانه، وسياسة الردع إن لم تمنع اندلاع الصدام، منعت زيادة التصعيد وتفاقم هذا الصدام، وأبقته في إطار المواجهة المحدودة والحد الأدنى منها، باعتبار الردع المتبادل على المستويات الأعلى تبعاً لنوع القوة يمارس درجة من التأثير الرادع على المستويات الدنيا، وهذه السياسة وما تعنيه من تهديد متبادل ليست مقصورة على مستوى معين من القوة، بل متى كان تهديد الأمن من قبل أحد الأطراف، يقابل بأمن التهديد من قبل الطرف الآخر تحقق عندئذ الردع بين الطرفين المتضادين، وأصبح كل منهما يحسب لكل عمل استفزازي حسابه ويضعه في نصابه، وقد قال الشاعر:
تسلحوا واستعدوا
للدهر سلماً وحرباً
فالليث ظفر وناب
لولهما كان كلباً
وقال آخر:
إن العدو وإن ابدى مسالمة
إذا رأى منك يوماً غرة وثبا
وتحقيق الإستقرار مع إيران في ظل عدائها الموروث وعهدها المنكوث قضية بالغة التعقيد وعصية على أنصاف الحلول، ولا تفيد معها المسكنات والمهدئات والتعامل الناجع مع هذه الدولة يتطلب أخذ الحيطة والحذر وعدم الانخداع بأكاذيبها ونفاقها والمجازاة من جنس العمل والحزم الجسور في المواقف والجمع بين قوة السياسة وسياسة القوة، وقد قال أحد القادة: الحازم يحذر عدوه على كل حال، يحذر المواثبة إن قرب، والغارة إن بعد، والكمين إن إنكشف، والاستطراد إن ولىّ.
والواقع أن عداوة النظام الفارسي الصفوي ضد العرب، هي عداوة متوارثة، وذات طابع أزلي وسمة أبدية، والعدو بالتوارث من ألد الأعداء، خاصة إذا كان هذا الأرث ينطلق من منطلقات مذهبية ونزعة شعوبية وأهداف سياسية، علاوة على ما يثيره التجاور من نزاعات راهنة، ويحييه من خصومات مزمنة يصعب تجاهل أخبارها ومحو آثارها، ناهيك عن انعكاسات الخصائص الجيبولتيكية بين دول الجوار، وتأثير ذلك على المصالح الجيواستراتيجية في المنطقة، كما أن التطلع إلى الهيمنة وامتداد النفوذ غالباً ما يكون بحرياً، فالبحر هو الوسط الجغرافي الملائم للمشاريع التوسعية كما هو الحال بالنسبة لإيران والخليج العربي، واصرارها على أن يكون فارسياً وعربدتها في مياهه، ومضايقة الملاحة عبر مضايقه وصولاً إلى خليج عدن وبحر العرب ومضيق باب المندب على مدخل البحر الأحمر.
وتطورات الموقف في العراق من أصدق الشواهد على هذا الوباء الطائفي والاعتلال المذهبي والمرض السياسي الذي يمارسه نظام الملالي كما حصل في مدينة النخيب وقرار ضمها إلى كربلاء وترك الجيش العراقي أسلحته غنيمة لداعش في الرمادي على غرار ما حصل في الموصل وإطلاق يد الحشد الشعبي في المحافظات السنية وما ينطوي عليه مثل هذه التطورات من مكائد ومؤامرات مستترة وظاهرة، تديرها إيران تارة في الخفاء وتارة في العلن، الأمر الذي يؤسس لمرحلة جديدة تتجاوز تهميش وإقصاء السنة إلى إذلالهم وإضعاف دورهم في المعادلة الوطنية وتغيير ديموغرافية السكان علاوة على ما يوحي به ذلك من القضاء على ما بقي للعراق من سيادة وطنية وهوية عربية لصالح الأمن القومي الفارسي والمجال الحيوي المزعوم على حساب عروبة العراق وأمن جيرانه وأمن المنطقة بكاملها وسكوت الجامعة العربية يدل على انهزام واضح واستسلام فاضح.
وإذا ما اجتمعت العداوة المتأصلة مع المذهبية الفاسدة والنزعة الشعوبية الحاقدة، والرغبة الجامحة في بسط النفوذ والهيمنة، وتغليف هذه الأهداف بغلاف من الكذب والنفاق والبرقماتية، لم يبق أمام الملالي إلا البحث عن القوة العسكرية التي تكفل لهم ذلك، وهنا مكمن الخطر ومربط الفرس، ورغم اهتمامهم بالتنظيمات الأمنية والقوات العسكرية التقليدية بمختلف فروعها وصنوفها إلا أن الاهتمام منصب أكثر على القوة الصاروخية الباليستية، حيث اتفق الخبراء على امتلاك إيران ترسانة صاروخية تعتبر هي الأكثر عدداً وتنوعاً في دول الشرق الأوسط، وتتألف أكثرية مخزونها الصاروخي من صواريخ سكود قصيرة المدى، ولديها مخزون صاروخي باليستي من نوع صاروخ غدير 1، وصاروخ شهاب 3 وشهاب 4، وهي ذات أمدية بعيدة بحيث تتوفر لها القدرة على ضرب أي هدف في الدول المجاورة ويتراوح مداها بين 1500 كم و 2000 كم، والآن في طريقها إلى الحصول على الصواريخ الدفاعية الروسية إس 300.
ويرى بعض المحللين أن هذه الصواريخ البالستية غير دقيقة، ولكن النظام الإيراني حريص على استخدامها كيفما إتفق بهدف الضغط النفسي والتأثير المعنوي، وذلك بعقده النية على إسقاطها على المناطق السكنية والحضرية دون التفريق بين أهداف القوة وأهداف القيمة، وكل ما يفكر فيه هذا النظام هو التدمير وإثارة الرعب بين السكان، اعتقاداً منه أن هذا الأسلوب قد يحسم الحرب في زمن قصير والاحتمال الأكثر خطورة هو قدرة إيران على تطوير صناعة الصواريخ الباليستية، وإمكانية إستخدام أسلحة الدمار الشامل بواسطة هذه الوسائط وتطويرها مستقبلاً لحمل رؤوس نووية.