د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عندما ندلف لرصد آفاق من صور الأمن في بلادنا، فإنها بحار ملأى، وحدائق غُلبا، ولذاك فإنه رصد جدير بالعناية والتأمل الطويل، يتصدّره الأمن في صياغة النظام الأساسي للحكم، وفي بيعة الحكام، وما يتوارثونه من ألفة الشعب، واصطفائه في العقل والقلب.
تشيع ظلال العدل خلف معينهم
وتُمحى بهم من صفحة الكون آثامُ
مسارح إيمان تهش لمؤمن
ومخدع ضـرغام إذا حل ضرغامُ
والأمن أيضاً في صناعة الخطاب العسكري حول الوطن وحدوده ومقدسات المسلمين التي شرُف وطننا أن تكون على أرضه.
والأمن في مضمار الحياة ليتنافس فيه المتنافسون، والأمن في سن القوانين المنظمة للتعايش بين أفراد الشعب وفئاته، وإيقاد الجواب المضيئة لتسطع في آفاقه، وتغازل أراضيه الشاسعة.
امتد الأمن في وطننا حقباً ؛ وما زال بفضل من الله يرفل بالمشهد حللاً باذخة تأبى أن تستلبها الأيادي العابثة التي خرجت من خشاش الأرض ودهمائها، وما زالت شعثاء تلتف على غدرانها الآسنة.
في وطني يرصف الأمن كل الدروب، فتتقلص المسافات ، ويعلو طوق اللحمة بين القيادة والشعب ليشرق أمن وارف ينبئ عنه شموخ الواقع وسموّ الوقائع.
أمن حين الحشود، وأمن على الحدود، وأمن في القرار السياسي، وأمن في النظام الاجتماعي، وأمن مع الجار حين يكون جاراً!! وأمن في صياغة العلاقة بين الوطن وأشقائه، وأمن في مسارات التنمية حاضراً ومستقبلاً للبلاد وأهلها، وأمن في حفظ الحقوق، وأمن في منشآت البر والبحر والجو.
تختزل بلادنا مواقف شماء، وإن استلبت منعطفات الإرهاب بعضاً من هدوئها، ولكنها تلتئم آمنة وارفة بقوة وسداد رأي حكامها ؛ يستوقفها تاريخ عريق، ومقدسات تراها رأي العين، تضيء مساحاتها في عهود ملوكها، فتعلن أن كلاً له يد طولى تحنو على ترابها الطاهر، ليكون مهوى رحباً لأفئدة القادمين عمرة وحجة وزيارة.
إنّ الأمن في بلادنا رسالة عقيدة، ونهج أمة، قال تعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} الأنعام 82
ولقد أحاطت بلادنا العقيدة الإسلامية بالتطبيق شرعاً ومنهاجاً، وحرص قادتنا في عهودهم المضيئة أن يبسطوا الأمن، ولذلك أصبح اختراق أمن بلادنا دونه شوك القتاد.
دائماً ما تتحفز خطوات بلادي لتكون في القمة بعون الله، وقد يخاتل شموخها منعطفات بزمرة من المارقين الذين خطفوا زمرة من أبنائها ليعيدوهم إليها يتمنطقون عقوقاً خاطفة لرواء الحياة، نثروها ناراً حارقة في بيوت الله، فكان الإحساس يتراوح بين الألم مما أدمى، وبين الخزي الذي لم يعد يتوارى لصرامة الموقف وصراحته، حيث ترتعش الأرض من هؤلاء الجن الذين يظهرون بغتة، ومن ثم يكونون فوق موائد التشريح لاستخراج هوية الوطن، حيث لم تكن قلوبهم أمينة عليها.
أيجوس أرضك جاحد متجهم
ويروم شأنك واغل متجرمُ؟
نعم إن صناعة الإرهاب، وتجهيز منفذيه لغة تكابد جاهلية بائدة، تقفز إلى فكر أولئك لاستعادتها، وتعصف رياحها الهوجاء من أماكن مظلمة، تتلذّذ بالدماء، وتقتات على الدمار والخراب، قال تعالى مخاطبا نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (6 سورة الكهف).
وأين هذا المعنى ممن يقتلون الأبرياء لعدم إيمانهم بما يريدونه من فكر ضال، وعزائم خائرة ضد الإسلام والمسلمين.
لقد أصبحنا فاكهة مجالسهم النتنة، يتجرعون انتصاراتنا، وتقض مضاجعهم سوانح التلاقي في وطن الأمن، حيث نتساقى كل ليلة أكواب الولاء للوطن وقادته، ويدار حولنا بأباريق من رحيقه الصحراوي العجيب، فلا نامت أعين الجبناء.
بوح أخير:
يا موكب النصر كم أحييت من أمل
له تأصّل في نيل المنى وطرُ