يوسف المحيميد
إذا كان خبر هروب سعودية أربعينية بأطفالها الثلاثة من فندق بجوار الحرم المكي إلى مطار الملك عبدالعزيز بجدة، ومنه إلى داعش، أو أرض الخلافة كما تسميها، يكشف عن ميولها المتطرفة، وهي التي تم سجنها لمدة سنتين في سجن ساجر، مقر إقامتها، والتي تتحدث كثيراً عمن أسمتهم المجاهدين، وعن «فضل» العمليات الانتحارية كما تكشف ميولها الإرهابية، فما معنى هروب مجموعة فتيات سودانيات، بينهن ابنة دبلوماسي سوداني سابق، اضطر للسفر إلى تركيا، بوابة السفر إلى داعش، بحثاً عن ابنته الطبيبة التي هربت مع عدد من طلاب طب سودانيين، يبلغون اثني عشر طالباً وطالبة، بينهم ست طالبات طب سودانيات؟ وهم يمثلون دفعة ثانية، إذ سبقهم آخرون من الكلية ذاتها في الانضمام إلى تنظيم داعش؟
ما الذي يجعل حالات تمثل طبقات مختلفة، ومهن، ومستويات تعليمية، وظروف اجتماعية، متفاوتة، ومن مختلف الدول العربية، تذهب إلى مواطن النزاع، وتلتحق بتنظيمات إرهابية ومتطرفة؟ لماذا يحدث هذا الأمر بينما دول العالم المتقدم تسير إلى التصالح والتحاور فيما بينها؟ فهل هي أزمة سياسة يعاني منها العالم العربي؟ أم هي أزمة فكر متجذرة منذ عشرات السنين؟ خاصة أن العالم العربي ومنذ منتصف الفرن الماضي، عاني من ديكتاتوريات مختلفة، تناقلتها الأنظمة العسكرية التي أحكمت قبضتها على هذه الشعوب، ولم يسقط معظمها إلا بالثورات أو الانقلابات المضادة!
هذه الأنظمة التي استبدت عشرات السنين لم توجد، ولو بصيص من الحريات الضرورية، التي تكفل حقوق المواطن العربي، وضمانات العيش الكريم، مما جعل هذا العالم العربي ينام تحت نار نائمة، تنتظر من يوقظها، وهو ما حدث في ثورات 2011 في مختلف الدول، ولأن هذه الدول لم تكن يوماً دولاً مدنية، ولا تقوم على وجود أحزاب سياسية، ولا تعتمد انتخابات نزيهة، الأمر الذي أوجد فراغاً سياسياً واضحاً بعد سقوط هذه الديكتاتوريات، وهو ما استغلته دول مجاورة ومحيطة، للتدخل بالشأن الداخلي لهذه الدول العربية، والعبث بمكوناتها الاجتماعية والثقافية!
هذا العبث، وهذه الفوضى الخانقة، وليست الخلاقة كما يصفها الأمريكان، منحت الفرصة للتيارات المتشددة، والمدعومة من أطراف خارجية، لتفرض سيطرتها على الأرض، ولتعمل بمؤسسة إعلامية مضللة، تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي مكاناً خصباً للتغرير بعقول مثل هؤلاء، وجذبهم إلى الانضمام إليها.. خاصة أن هذا العالم العربي المختل يعيش فعلا أزمة فكر، وأزمة ثقافة ووعي، مما يجعل مواطنيه على استعداد للسير في مغامرات مجهولة.