جاسر عبدالعزيز الجاسر
لم يعد مقبولاً تقبُّل الهجمات الإرهابية التي أصبحت جرائم عابرة للحدود؛ فقد وقعت في يوم واحد، وهو تأكيد أن الجرائم تنفَّذ وفق مخطط هدفه توسيع شق الخلافات المذهبية الإسلامية، وتأجيج الفتنة الطائفية. فاليوم الذي ركز عليه الإرهابيون هو يوم الجمعة، اليوم الفضيل الذي يتفرغ المسلمون فيه للعبادة، إلا أن المجرمين حوَّلوه إلى يوم للقتل وترصُّد الأبرياء.. والأكثر فظاعة أن الجريمة تمت في شهر رمضان المبارك.
وهكذا، فإن تصعيد الإرهابيين جرائمهم وتطوير خططهم؛ ليشهد يوم الجمعة ثلاث جرائم في يوم واحد، وفي أماكن متفرقة من ثلاث قارات، يؤكد أن هناك انتقائية، وأن هناك مخططاً موضوعاً لإحداث أكبر ضرر بالمسلمين، وجعلهم أكثر تباعداً؛ وهو ما يتطلب تحركاً مدروساً عملياً وعلمياً، تحركاً تقوم به الدول مجتمعة، ولا يقتصر الأمر على الجهود الفردية وحتى الثنائية التي تجتهد وتقوم بها بعض الدول المتضررة من العمليات الإرهابية.
في البدء لا بد من الوصول إلى مَن يدعم المنظمات الإرهابية، ومَن الذي يقف وراء تنظيم داعش الذي يسارع إلى تبني مثل هذه الأعمال الإرهابية، وهل فعلاً من يقوم بهذه الأعمال الإرهابية منتمون وأعضاء في التنظيم بزعم أنهم من ولاية كذا، وتحت إمارة كذا؟ إذ إن العمر القصير الذي مضى على معرفتنا بهذا التنظيم الإرهابي يجعلنا نشكك في أنه يمتلك شبكة ولايات إرهابية، ويدفعنا إلى الاعتقاد بوجود جهات دولية استخبارية، تمتهن مثل هذه الأعمال، أعادت توظيف تنظيمات إرهابية سابقة، ولملمت أشلاءها، وكوّنت منها جسماً إرهابياً، يحمل اسم داعش، ونعني به تنظيم القاعدة والتنظيمات التكفيرية الأخرى. وبما أن مثل هذه التنظيمات تعيش وتنمو على إثارة الكراهية والحقد، والرد على الأعمال الإرهابية الأخرى، فإني أرى في وجود وأعمال المنظمات الإرهابية الأخرى، كمليشيات حزب الله وفيلق القدس الإيراني ومنظمة بدر والحوثيين وجماعة الأشتر في البحرين، شركاء في جرائم الإرهاب؛ فهذه المنظمات - إضافة إلى ما ترتكبه من أعمال إرهابية - أيضاً تحرض وتدفع من يتسمون بداعش إلى الرد، أو الزعم بأنهم يواجهون محاولات المكوّن الآخر بالسيطرة والهيمنة؛ ولهذا فإن مواجهة كل المنظمات والمليشيات والجماعات الإرهابية من كل مكوّن ومذهب واجب، يجب أن تقوم به الدول كافة، والدول الإسلامية في المقدمة. وعلينا أن نطلب من الدول الداعمة للإرهاب ومَن تساند المليشيات المذهبية من كلا المكونين أن تتوقف عن اللعب بنار الطائفية، وإن لم تكف عن ذلك فيجب إعلان تلك الدول، وإن لم تكف بعد ذلك فيجب مقاضاتها، والشكوى لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وإذا كنا نطالب بالوحدة الوطنية، ونطلب من الأفراد أن لا يؤججوا الفتنة الطائفية، فيجب أن نطبّق ذلك وبحزم بحق الدول الداعمة للإرهاب، وهي معروفة للجميع، ولكن بعض الدول تجامل، وأخرى تستفيد من شق صفوف الدول الإسلامية.