جاسر عبدالعزيز الجاسر
المتمعِّن في دراسة النهج السياسي الذي أخذ يوسم السياسة السعودية، أن كثيراً من التطورات بدأت تطرأ، وأن كثيراً من المسلَّمات التي كانت ملتصقة بالسياسة السعودية ستشهد تغيراً هو في مجمله تغير إيجابي يحلو لكثير من الدراسين عَدُّه نوعاً من الإصلاح.
ولأنَّ عهد سلمان هو عهد الشباب، وأنَّ من أهم وأبرز سمات الشباب هو سرعة التحرك، فإنَّ أولى علامات التخلص من سمات وصفات السياسة السعودية التقليدية هو تجاوز ما هو مسلَّم به، ومن أولها التأخير في إنجاز التحرك المطلوب، وبالتالي فإنَّ مواصلة تحقيق خطوات التفاهم، بل والشراكة، وتوالي عقد الصفقات الاقتصادية والتكنولوجية، بل وحتى السياسية صفة جديدة أخذتْ تبرز في عهد سلمان. فبعد الاختراق السعودي الثاني لروسيا، وما أسفرت عنه زيارة الأمير محمد بن سلمان والوفد الوزاري المهم الذي رافقه، ورجال الأعمال السعوديون الذين تفحصوا بعيون وبعقول مفتوحة مجالات الشراكة والاستثمار التي ستفتح قنوات عديدة للاستفادة لكلا الشعبين، بعد ذلك الإنجاز الذي سجَّل إضافة للقوة السعودية بالتمدد شرقاً لتحقيق تطور نوعي ليس في مجالات السياسة بل حتى في مجالات الاقتصاد والاستثمار، والأهم من ذلك في مجالات التقنية التكنولوجية والعلوم النووية.
بعد ذلك اتجهت البوصلة السعودية من جديد نحو الغرب، وهذه المرة نحو الغرب الأقرب أوروبا، فباريس عاصمة فرنسا، التي تمتلك واحدة من أكثر القلاع التكنولوجية في هذا العصر، وهي وإن لم تجد التنويه والإشعاع بما حققته، فيكفي أن نتحدث عن قطاعات الطيران بشقيه الحربي والمدني، بعنواني الأيرباص ورافال، وفرنسا إحدى الدول المصدرة للتكنولوجيا النووية، والمتفوقة في صناعة البوارج والغواصات النووية والتقليدية، وهو ما جعل روسيا تتعاقد معها لتصنيع البوارج النووية المتقدمة. فرنسا قلعة صناعة القطارات والاتصالات وتقنية المياه، لا نتحدث هنا عن مواد استهلاكية وترفيهية كالعطور والسيارات، فرنسا وكما ذكر لي أستاذ ووزير لبناني يدرس في السوربون، بأنها أهم بلد أسهم ويسهم في تصدير التكنولوجيا للدول النامية، وأن الفرنسيين يختلفون عن غيرهم بعدم وضعهم شروطاً لتزويد من يطلب التقنية ويصنعها في بلده.
الرئيس هولاند قال في زيارته الأخيرة إلى المملكة إن هناك عشرين عقداً نوعياً سترفع مستوى الشراكة الإستراتيجية مع المملكة العربية السعودية، وحتماً ستفعل زيارة الأمير محمد بن سلمان تلك العقود التي تحدث عنها الرئيس الفرنسي، بل وسترفدها بعقود أخرى تجعل من أسلوب تنوع الاستفادة وتوزيع مهام الشراكة الإستراتيجية معيناً مستمراً ولا ينضب لتعزيز وتعظيم القوة السعودية التي ستعزز كثيراً جراء تواصل الحركة واستمراريتها بالتحرك صوب مراكز القوة السياسية وقواعد العلم والتقنية المتطورة.