جاسر عبدالعزيز الجاسر
شهد الأسبوع الماضي قضيتين قضائيتين كان أحد الصحفين طرفاً فيها، وقد كشفت القضيتان أن المهنة (مهنة الصحافة والإعلام) معرضة للاستغلال وحتى الابتزاز، وللتوظيف لخدمة الأنظمة التي تحكم الدول، أو توظف للإساءة بتلك الأنظمة، وأن هناك خطورة وتهديداً جدياً لتشويه مهنة الصحافة والإعلام وخرق حياديته ومهنيته، خصوصاً إذا ما فكرت الأنظمة الحاكمة في توظيفه لخدمة مصالحها.
القضيتان كان بطلاهما اثنان من أبرز الإعلاميين المصريين، أحمد منصور الصحفي ومقدم البرامج المصري الذي يعمل في محطة الجزيرة القطرية، وله عدد من البرامج أشهرها «خارج الحدود»، و»شاهد على العصر»، وهو أيضاً أحد القيادات الإعلامية لجماعة الإخوان المصرية، وأحمد منصور يحمل الجنسية المصرية إلى جانب حصوله على الجنسية البريطانية عندما كان يعمل في بريطانيا، وقد اتهمته الحكومة المصرية في العهد الجديد بأنه شارك في تعذيب أحد المواطنين المصريين في الأحداث التي شهدتها مصر، وحُوكم غيابياً، ونتيجة لذلك الحكم أرسلت الحكومة المصرية طلباً إلى منظمة الإنتربول الدولية بطلب فيه القبض عليه عند دخوله إلى دولة عضوة في هذه المنظمة، وكون الطلب يحمل اللون الأحمر، وهو ما يعني وجوب التنفيذ الفوري، والطلب مؤرخ في 14 أكتوبر من عام 2014، وعلى هذا الأساس تم القبض على أحمد منصور في ألمانيا عندما وصل إلى برلين لإجراء حوار صحفي، وبعد تدخل من دولتي قطر وبريطانيا وتحرك سريع من المحامين، أظهر أحمد منصور قراراً إلحاقياً من الإنتربول يسقط قرار القبض عليه وتسليمه لمصر.
حادثة أحمد منصور أظهرت أن الدول التي تحكمها القوانين والأنظمة لا يمكن أن تسلم بأي أحكام ما لم تضمن أولاً سلامة من تسلمه، وثانياً أن يكون الاتهام حقيقياً، وثالثاً أن تكون الإجراءات قانونية. وهذه الاشتراطات أسقطها محامي أحمد منصور، فخرج من ألمانيا حراً طليقاً وذهب إلى قطر، وليس معتقلاً إلى مصر.
القضية الأخرى تتعلق بالإعلامي المصري الآخر أحمد موسى مقدم برنامج «على مسؤوليتي» في قناة صدى البلد المصرية، الذي أتهمه الإعلامي الدكتور الغزالي حرب بالقذف والخيانة في سياق حديثه كما حصل في 25 يناير، ورفع دعوى عليه في محكمة جنايات القاهرة التي حكمت على أحمد موسى بثبوت القذف والشتم، وبالتالي سجن أحمد موسى عامين.
مقدم البرامج المصري نفذ الحكم وتقدم إلى الجهات المختصة التي أودعته السجن ليتحرك بعدها جيش من المحامين والسياسيين والإعلاميين لنصرة أحمد موسى الذي يرون فيه مدافعاً عن قيم الثورة الجديدة في مصر والحكم الوطني الذي يقوده الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقدم المحامون نقضاً للمحكمة نفسها التي نظرت القضية بعد القبول بطلب الاستئناف لتشهد محكمة جنايات مصر الجديدة واحدة من أكثر المحاكمات إثارة خاصة بعد أن قام المستشار المحامي مرتضى منصور بالدفاع عن أحمد موسى، مستعيناً بمذكرة كتبها المحامي الشهير الديب محامي حسني مبارك، وبعد مداخلة لأحمد موسى نقلت على الهواء من قبل محطة «صدى البلد»، أعلنت المحكمة براءة أحمد موسى.
قضيتان لإعلاميين صحفيين مصريين يعملان في محطتين فضائيتين معاكستي الاتجاه، وكلاهما يخدم نظاماً عربياً له وجهة نظرة مضادة للآخر. الأول خضع للتحقيق والمقاضاة أمام أجهزة قضائية أجنبية فحكمت بإطلاق سراحه، والآخر أمام محكمة مصرية فبرأته، والواقعتان تؤكدان أنه يمكن ابتزاز الصحفيين والإعلاميين وإرهابهم لتغيير آرائهم وتوظيف قدراتهم لخدمة النظام الذي يستغلهم، إلا أن الشيء الوحيد الذي تأكد في ألمانيا وفي مصر، هو أن القضاء العادل يمكن أن يحمي حقوق الإعلاميين والصحفيين مثل غيرهم، إذا كان يعمل من أجل خدمة العدالة وليس خدمة الأنظمة.