عبدالرحمن بن محمد بن إبراهيم الريس ">
الحمد لله الذي مَنَّ على عباده بمواسم الخيرات؛ ليُجزل لهم العطايا والهبات، ويغفر لهم الذنوب والسيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفَّق من شاء لاغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله صاحب الآيات الباهرات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطاهرات، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
إخواني: اعلموا أن إدراك شهر رمضان نعمة عظيمة لمن وفقه الله عز وجل للقيام بالأعمال الصالحة فيه، وتلافى التفريط ما أمكنه تلافيه، فَهِمَّةُ الصالحينَ فيه الصيامُ والقيامُ وتلاوةُ القرآن، والكَفُّ عن فضول الكلام، والاشتغالُ بذكر الملك العلّام.
فسبحان من اختار من عباده أقوامًا للطاعات وفتح لهم أبوابها، ووفقهم للخيرات وسهل لهم أسبابها، فلله عز وجل نفحات يصيب بها من يشاء من عباده بفضله ورحمته، فالسعيدُ من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتَقَرَّب بها إلى مولاه بما فيها من الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادةً يأمن بها من النار وما فيها من اللَّفَحات.
فيا سعادة من قبلت منه في شهره الأعمال، ويا شقاوة من فرَّط في صيامه بالإهمال.
فالحمد لله الذي بلَّغَنا جميعًا شهر رمضان، ونسأله أن يعيننا فيه على الصيام والقيام وصالح الأعمال، ونسأله القبول والإتمام، وأن يجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا، إنه جواد كريم.
فاغتنموا ـ رحمكم الله ـ ما في هذا الشهر من الفضائل فأيامه معدودة، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:158].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان، فتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين» [رواه مسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان يقول: «جاءكم شهر رمضان: شهر مبارك، كُتِب عليكم صيامه، فيه تُفتَّحُ أبواب الجنة، وتُغلَّقُ فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه الشياطين، فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها فقد حُرِم» [رواه أحمد والنسائي].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا كان أول ليلةٍ من شهر رمضان، صُفِّدَت الشياطين ومَرَدَة الجن، وغُلِّقت أبواب النار، فلم يُفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، ويُنادي منادٍ كل ليلة: يا باغي الخير أَقْبِل، ويا باغي الشر أَقْصِر، وللهِ عُتقاءُ من النار، وذلك كل ليلة» [رواه الترمذي والبيهقي وغيرهما].
إخواني: مَنْ لم يَرْبَح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح؟ مَنْ لم يَقْرُبْ فيه لمولاه فهو على بُعْدِهِ لا يبْرَح، فطوبى لمن تَلَقَّاه بعمل صالح، وطَهَّر فيه الجوارح من الآثام والقبائح. فاحمدوا ربكم الذي أحياكم وأبقاكم حتى بلَّغكمُوه، وسلوه أن يعينكم على القيام بحقوقه حتى تُتِمُّوه وتستكمِلُوه، واسألوه القبول واشكروه.
قال صلى الله عليه وسلم: «كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يُضاعفُ له، الحسنةُ بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. يقول الله تعالى: إلاَّ الصيامَ فإنه لي، وأنا أجزي به»، «للصائم فرحتان: فرحةُ عند فطرهٌ، وفرحة عند لقاء ربه»، «ولخلوف فَمِ الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» [رواه مسلم].
فياله من عمل عظيم، تولّى جزاءه الرحمن، وغَمَرَ أهلَهُ بالجُودِ والكرمِ والإحسان، وهيّأَ عند دخولهم الجنة لهم باب الريان، يدخلون منه إلى النعيم المقيم في جوار الرب الكريم، قد أَعَدَّ لهم من كرمه وجوده ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وهيّأ لهم ما تشتهيه الأنفس، وتَلَذّ الأعين، وهم فيها خالدون.
اللهم أَهِلَّ علينا شهر رمضان بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وارزقنا صيامه وقيامه، واغتنام ساعاته وأيامه، ووفقنا فيه للأعمال الصالحة.
اللهم فكما بلغتنا رمضان فاجعل عامة من أبرك الأعوام، وأيامه من أسعد الأيام، وأعنا فيه على طاعتك.
اللهم اجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيمانًا واحتسابًا، واجعلنا فيه من المقبولين، واجعلنا من عتقائك من النار يا رب العالمين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.