د. أحمد بادويلان ">
في غرفة ذات ثلاثة أسرَّة بيضاء, كان يرقد على السرير الأوسط رجلٌ في غيبوبة تامة, لا يعي ما حوله من أجهزة مراقبة التنفس والنبض وأنابيب المحاليل الطبية.
وفي كل يوم منذ أكثر من عام ودون انقطاع كانت تزور ذلك الرجل امرأة ومعها صبي في الرابعة عشرة من عمره ينظران إليه بحنان وشفقة ويغيِّران ملابسه ويتفقدان أحواله ويسألان الجهاز الطبي عنه ولا جديد في الأمر. الحالة كما هي لا تقدّم ولا تأخّر في صحته. غيبوبة تامة وأمل مفقود من شفائه! وقبل أن تغادر المرأة والصبي يرفعان أكف الضراعة إلى الله, ثم يغادران المستشفى ويعودان مرة أخرى للزيارة الثانية في نفس اليوم... وهكذا دواليك.
المرضى وهيئة التمريض والأطباء في استغراب تام من زيارة المرأة والصبي رغم أنه لا جديد في حياة المريض. ما هذا الإصرار العجيب على تكرار الزيارة مرتين في اليوم رغم أنه لا يعي أي شيء حوله وفي غيبوبة تامة.. كلموها بعدم جدوى زيارتها له ودعوها للزيارة مرة في الأسبوع. وكانت المرأة لا ترد إلا بكلمة «الله المستعان».. «الله المستعان».. وهكذا. وذات يوم, وقبل موعد زيارة المرأة والصبي بوقت قصير, تحرَّك الرجل في سريره وتقلّب من جنب إلى جنب آخر ثم فتح عينيه وأبعد الأوكسجين واعتدل في جلسته ثم نادى الممرضة وسط ذهول الحضور وطلب منها إبعاد الأجهزة الطبية المساعدة, فرفضت واستدعت الطبيب الذي كان في حالة ذهول تام, وأجرى فحوصات سريعة له, فوجد الرجل في منتهى الصحة والعافية وطلب إبعاد الأجهزة وتنظيف مكانها في جسده.
وكان موعد الزيارة قد بدأ. ودخلت المرأة والصبي وما إن رأياه حتى اختلطت الدموع بالابتسامات, والبكاء بالدعاء والحمد والثناء لله الذي أتم نعمة العافية على زوجها. وهنا قال الطبيب للمرأة: هل توقّعت أن تجديه يوماً ما بهذه الحالة؟ فقالت: نعم، والله كنت أتوقّع أن أدخل عليه يوماً وأجده جالساً بانتظارنا.. فقال لها: إن هناك شيئاً ما حصل, ليس للمستشفى أو الأطباء دور فيه. فبالله عليك أخبريني لماذا تأتين يومياً مرتين وماذا تفعلين؟ قالت: بما أنك سألتني بالله فأقول لك: كنت أزور زوجي الزيارة الأولى للاطمئنان عليه والدعاء له, ثم أذهب أنا وابني إلى الفقراء والمساكين في الأحياء الشعبية ونقدّم لهم الصدقات بغية التقرّب إلى الله لشفائه. فلم يخيّب الله رجاءها ودعاءها, فخرجت في آخر زيارة وزوجها معها إلى البيت الذي طال انتظاره لعودة صاحبه إليه, لتعود البسمة والنور والفرحة له وإلى أفراد أسرته. وأنا بدوري أكرر لكم ما أقوله: لا تيأسوا ولكن تلمسوا الأسباب واجتهدوا في الدعاء والصبر والصلاة، والله المستعان.