رمضان جريدي العنزي
(الديك) المغرور أكان واقف فوق كومة القمامة، أم خائض في أوحال السواقي، فهو يصر على ممارسة هواياته في التبختر والغطرسة الفارغة، متباهيا بريشه الملون، متفاخرا بطراوة عرفه ومرونته، شامخا بمناقيره، بارزا صدره، رافعا رأسه،
صاخبا بصياحه في بيئة تعج بالنفايات والفضلات والروائح النتنة، ثم يمشي على مهله بكبريائه المعهود رغم وقوفه وسط المستنقعات الآسنة، ولا يظهر أي اهتمام لتعليقات الطيور من حوله، مع أنه لا يملك حرية الصقور، ولا قوة النسور، ولا جمال الطواويس، ولا صوت البلابل، ولا خفة العنادل، بل إنه لا يستحق أن يكون من الطيور أصلاً، لأنه لا يطير أبدا إلا لبضعة أمتار، وعند الضرورة القصوى، وما أشبه تصرفات الديك المغرور بسلوك المخلوع - علي عبدالله صالح - ، الذي سقط منذ زمن بعيد في مستنقعات الفساد، وغرق في أوحال الخيانة والغدر، لكنه ما انفك يتظاهر بالعفة والشرف والنزاهة والطهارة والصفات الإنسانية والأخلاق الحميدة، ويتجلبب بجلباب الورع والتقوى، ويتباهى بإنجازاته الوهمية، ووعوده الكاذبة، على الرغم من تبوئه المراكز الأولى في الترتيب العالمي للفساد، والخيانة، ونقض المواثيق والعهود والأمانات، خصوصا بعد أن ضرب الفساد أطنابه في عموم جسده وروحة وزبانيته وحزبه، وتغلغل حتى النخاع في هياكله الإدارية، وتشكيلات نظامه السابق، وصار الفساد والخيانة والتنصل من المواثيق والمبادئ هي الوجه القبيح لمعظم تصرفاته القائمة على الباطل، فالفساد والخيانة ونقض العهود والمواثيق بالنسبة له الركن الأساس الذي يرتكز عليه، والدماء التي تتدفق في عروقه، حتى أصبح العفيف الشريف الأمين في نظره منبوذا، والنظيف عنده مرفوضا، وانقلبت المعايير العامة لديه رأسا على عقب، وهكذا تمددت إمبراطورية الشر والفساد عنده حتى اتسعت وتضخمت، وتألق الفاسدون والمفسدون حوله، وتزايدت سلطاتهم وثرواتهم، وطغى وطغوا في الأرض اليمنية طغيانا لم يسبق له مثيل، سرق ونهب وأهدر مقدرات اليمنيين على مدى سنوات حكمه، وفق أرقام فلكية تعكس حجم الإسراف والفساد الذي بلغه وزبانيتة من حوله، لقد أضر باليمن، ودمر عجلة التنمية فيه، وأسهم في تردي الأوضاع المعيشية، وانحرف بمسارات القطاعات الإنتاجية نحو الحضيض، وأظهر بنية أساسية ضعيفة ومهزوزة في كل شيء، فكثرت الفجوات في هذه البنى الإسفنجية الرخوة، حتى طفح الكيل، وكان من الطبيعي أن تتفجر الثورة والانتفاضة ضده في ظل تفشي ثقافة الفساد المستشرية في كل مكان، وفي ظل غياب العدالة الاجتماعية، واتساع الفارق بين نخبته الغنية المتسلطة، وبين الأغلبية الفقيرة المسحوقة، مليارات الدولارات سرقها وزبانيته من المال اليمني العام خلال سنوات حكمه العجا، سنوات طويلة من الجوع والحصار والفقر والقهر والتخلف والجهل والأمراض والبطالة، مليارات الدولارات كانت تكفي لإصلاح الواقع المأساوي في اليمن برمته، وتكفي لتغطية نفقات إعماره، وإعاشة الإنسان اليمني النبيل الرازح تحت خط الفقر منذ ما يزيد على 35 عاما، لقد تمادى المخلوع في فساده، وأكل المال اليمني، حتى انتشر فسادة انتشار النار في الهشيم اليابس، خلال سنوات حكمه الكئيبة، تعطلت مصالح اليمنيين في بلدهم السعيد، وتدهورت أحوالهم من سيئ إلى أسوأ، وارتفعت وتيرة الظلم والتعسف، ولم يلتزم المخلوع بأبسط مبادئ العفة والنزاهة والقيم النبيلة والأخلاق الحميدة تجاه الشعب اليمني العريق، ولا تجاه جيران اليمن وأشقائه، التي تجمعهم بها رابطة الجغرافيا ورابطة الدين والأخوة والنسب، ومن نافلة القول نذكر أن أحد رؤساء كوريا الجنوبية السابقين أقدم على الانتحار بمجرد توجيه تهمة الفساد له ولزوجته، فاختار قمة جبل شاهق ليرمي نفسه من فوقها، وقرر الموت انتحارا بمجرد اكتشاف أمر فساده، ليغسل هذا العار عنه وعن زوجته، أما المخلوع علي عبدالله صالح، فقد سرق قوت اليمنيين كله، وبعثر أموالهم العامة كلها على ملذاته وحاشيته الضيقة، وأسرف في النهب والاحتيال والسرقة، وأهدر قدرات اليمن، وانحرف بالتنمية نحو الحضيض، ومارس مع اليمنيين أسوأ أساليب الإذلال والإهانة والتهميش، وجعلهم يهيمون على وجوههم في بلدان الدنيا بحثا عن عيشة هنية ولو كانت بحدودها الدنيا، والتي لم يوفرها لهم ذلك المخلوع السقيم، الذي مازال يحلم بالحلم المستحيل، ويعيش عقلية الديك المغرور.