سعد بن عبدالقادر القويعي
يبدي المجتمع الدولي حراكاً سياسياً خجولاً أمام القضية الليبية، فقد أعلن - وزير الخارجية الألماني - فرانك فالتر شتاينماير - قبل أيام -، بأنّ مفاوضات جديدة بدأت في برلين بين 23 شخصية ليبية، وموفدي عديد من القوى الكبرى برعاية الأمم المتحدة؛ «لتفادي تفكك ليبيا»، وقال شتاينماير الذي يشارك في هذه المفاوضات في بيان، إن: «جولة المشاورات التي بدأت لتوها برعاية برناردينو ليون، الذي كلفته الأمم المتحدة إيجاد تسوية للنزاع الليبي، قد تكون الفرصة الأخيرة لحماية ليبيا من التفكك». وفي السياق ذاته، فإن تقارير استخباراتية غربية أكدت - ومن خلال - تحذيراتها من نتائج، وتداعيات الأزمة في ليبيا، باعتبار أن هذه الأزمة هي من نوع الأزمات الحادة، وذات أبعاد خطيرة، وبأنها عابرة للحدود، وأن دول الجوار ستكون عرضة لتهديدات مفصلية.
من دون قفز على معطيات الزمان، والمكان، أو الظروف المحلية، والإقليمية، والدولية، فإن بعض التقارير المتخصصة تفيد، بأن خارطة داعش في ليبيا تبلغ ثلاثة آلاف مقاتل، وهناك مصادر داخلية تشير، إلى أن عدد أفرادها لا يتجاوزون الألف مقاتل ؛ لتشكل ليبيا - بهذه الأرقام - مرتكزاً جيوسياسياً كبيراً، يتيح لأعضاء التنظيم الإرهابي التمدد عن طريق تحرير مناطق أخرى، وتحول الأراضي الليبية إلى مركز إستراتيجي ؛ لاستقطاب المقاتلين الأجانب للقتال إلى جانب التنظيم، حيث أكدت تقارير استخباراتية، أن الساحة الليبية أصبحت وجهة مغرية للمقاتلين المنتمين إلى التنظيم أكثر من الساحتين - السورية والعراقية -، مستغلاً حالة الفوضى التي تعيشها البلاد، - إضافة - إلى إمكاناته المالية الكبيرة، - لاسيما - وأن ليبيا - اليوم - غارقة في صراعات عبثية حول السلطة، وموارد الدولة، كما تعاني من حرب أهلية، تشهد اقتتال أطراف متعددة، الأمر الذي سيجعلها تتمتع بفرص أقل في معالجة المشاكل القائمة.
من خلال الرصد، والتوثيق الموضوعي، فإن خطر تنامي تنظيم داعش في ليبيا، كان سببه تباطؤ المجتمع الدولي في التحرك على الصعيد السياسي، ما سمح للتنظيم أن يكون له موطئ قدم في ليبيا، - وبالتالي - سيطرته على مساحات واسعة فيها، - وتحديداً - في مناطق درنة، وسرت، وبنغازي ؛ تمهيدا لإعلانها عن دولة إسلامية للخلافة، وذلك في منطقة الساحل، والصحراء.
ساهم تنظيم داعش في تمزيق الأمة، واستعداء الآخر، ومن ثم استدعاء القوات الأجنبية إلى المنطقة. ومع أن واقع الحال يؤكد، على أن الاضطراب - الأمني والسياسي -، الذي تعيشه ليبيا، قد شكل أرضاً خصبة لظهور تنظيمات متطرفة، لا تعترف بشرعية الدولة، ولا تلتزم بأي قانون، إلا أن ظهوره في سوريا، والعراق ؛ نتيجة الحرب الأهلية، والفوضى الأمنية، وانتقاله إلى قارة شمال أفريقيا، ستحسب تحوله إلى نقطة انطلاق إقليمية للمتطرفين في قادم الأيام.
صحيح، أن المجتمع الدولي يرفض التورط في المستنقع الليبي - هكذا زعموا -، بعد أن رسموا خارطة شمال أفريقيا ؛ من أجل مزيد من التحكم في منابع النفط. وعلى أي حال، فإن استمرار التلكؤ الدولي في التعاطي مع هذه الأزمة، سيطرح بديلاً إستراتيجياً مهماً من دول الجوار، يتمثل في تشكيل تحالف دولي عربي ؛ لمواجهة خطر تنظيم داعش الإرهابي، وذلك من خلال الضربات الاستباقية، والعمل على إمداد الجيش الليبي بالعتاد اللازم.
السيناريو القادم في ليبيا لم يتضح بعد، والمشكلة أن وتيرة العنف، ودرجة الإرهاب في ازدياد، وهما عاملان مؤثران بأن خطراً محدقاً، يستوجب الاحتياط، والحذر. فداعش ترغب في تعزيز وجودها الإقليمي في ليبيا، كونها تعيش فوضى أمنية، وتشهد انقسامات سياسية حادة - هذا من جهة -، - ومن جهة أخرى - لتخفيف الضغط عنها في العراق، وسوريا. وهذا التغيير - في تقديري - يعتبر تغيراً تكتيكياً، وليس تحولاً إستراتيجياً لدى التنظيم، الأمر الذي يستدعي حلاً عسكرياً جذرياً في ظل انقلاب المعادلات، وتراجع الدول المحورية؛ من أجل إيقاف تمرير مخططات الغرب، والرامية إلى تمزيق المنطقة، وتفكيك دولها تحت مسميات زائفة.