ما الذي يعنيه مؤتمر جنيف لليمنيين الشرفاء، إذا ما تم عقده كما يقترح مجلس الأمن ويتمنى، أكثر من كونه - كما يبدو - نزهة وسياحة مجانية لمنظميه، من دون أن يخرج - إذا ما عُقد - بأي قرارات تلامس المشكلة وتوفر العلاج لها، وماذا يعني اليمني الوطني من مؤتمر يجاهر الانقلابيون قبل عقده بأنهم باقون على موقفهم، وغير معنيين بقرارات الشرعية الدولية، وأن الحوار إذا ما تم لن يكون لتنفيذ بنود قرار مجلس الأمن، فضلاً عن الدخول في تفاصيل آلية تنفيذه، إلا أن تكون فكرة عقده سبباً في تصعيد المشكلة وإبقائها دون حلول مرتقبة.
***
حسناً، ماذا يمكن لمؤتمر يُعقد تحت مظلة مجلس الأمن، وبدعوة منه، وهو العاجز عن تطبيق قراره، مستسلماً لإملاءات الانقلابيين، وكيف يمكن أن يكون له فرصة من النجاح، وممثل الأمين العام سمع في صنعاء ما أفشل نجاحه قبل أن ينتقل إلى الطرف الآخر الذي لا يطالب بأكثر من تطبيق قرار مجلس الأمن، بدءاً من انسحاب الحوثي وصالح من المدن، وتسليم السلاح الذي استولوا عليه، وإعادة المال العام الذي سرقوه، وإخلاء السجون من السجناء السياسيين، وهو ما يرفضه الحوثي والرئيس المخلوع.
***
لو كانت مطالب عبد الملك الحوثي وعلي عبد الله صالح تتمثل في مقايضة ما نصَّ عليه قرار مجلس الأمن، بإعفائهما من منع السفر والحجز على أموالهما وغير ذلك مما مسَّ شخصيتهما، لربما كان ذلك موضع نظر، في سبيل وحدة اليمن، وحماية الشعب، وإعادة الشرعية، برغم الجرائم التي ارتكباها بحق الوطن والمواطن، مدعومَين في ذلك من إيران، وربما من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى، إلا أنهما لا يقبلان بأقل من الموافقة على أن يسرقا الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع، وأن تكون اليمن رهينة بيد المليشيات التابعة لكل منهما.
***
إن موافقة الحكومة اليمنية الشرعية على حضور المؤتمر، يظهر استعدادها للقبول بالحل السياسي لحماية اليمن من الدمار الشامل، وإيقاف الفرز الطائفي بين المواطنين، والحفاظ على الوحدة، وتمكين الشعب من أن يعيش حراً في وطن آمن، ولكن هل يمكن مع هذه النوايا الطيبة أن يتحقق لها ما تتمناه، والحوثي يحتمي بالتراخي في مواقف الدول الكبرى، فيتردد في قبول الدعوة إلى مؤتمر جنيف ثم يوافق عليها، بينما يعلن الرئيس المخلوع رفضه للمشاركة إلا بشروطه وإملاءاته، ويوضح عن استعداده لعرقلة عقده.
***
أي أن علي صالح مع أتباعه يحدد الشروط للقبول بحضور المؤتمر، وكأنه ليس المجرم الذي يجب وأتباعه إقصاؤهم أساساً من المشاركة في حضور المؤتمر ومحاكمتهم، وها هو الحوثي على خطا صالح يتعنت ويماطل ويضع العراقيل قبل أن يوافق مرغماً أمام فكرة مؤتمر ليس له - بنظرنا - حظ من النجاح حضر الانقلابيون أم لم يحضروا، عُقد أم لم يُعقد، طالما قرار مجلس الأمن لم يُحترم، ولم يتم الالتزام به، ولا توجد آلية دولية لتطبيقه.
***
إن الممثل الجديد للأمين العام لمجلس الأمن سيواصل رحلاته المكوكية بين الدول في المنطقة على خطا سلفه، ولن يجد من الانقلابيين ما يمكن أن يبني عليه أي أفكار تمهد الطريق للحل السياسي المنشود، بل أكثر من ذلك فإن عقد مؤتمر جنيف قبل التأكد من التزام جميع الأطراف بقرار الشرعية الدولية هو تأكيد على أن مؤتمر جنيف إن لم يكن قد مات قبل انعقاده فهو الآن في العناية المركزة ويحتضر.