أمام هذه التطورات غير العادية التي تشهدها أسواق النفط في العالم، وتحديداً مع انخفاض أسعار النفط، وتأثيره على الدول المنتجة التي تعتمد برامج التنمية فيها على عائدات قيمة ما تصدره من بترول للأسواق العالمية، كان من الضروري أن تكون شركة أرامكو ضمن ما يجب أن تُعاد هيكلته ضمن مؤسسات الدولة الأخرى، وهذا يعني التغيير في القيادات العليا التنفيذية بالشركة، واستقطاب أعضاء جدد لمجلس إدارتها، وذلك تحت إشراف لجنة عليا يقودها ولي ولي العهد، وهذا ما حدث ضمن منظومة من القرارات التي بدأ بها الملك سلمان بن عبدالعزيز عهده الميمون.
***
ومن الطبيعي أنّ أي تغيير في الشركة، يُصاحب فصلها عن وزارة البترول والثروة المعدنية، وتولي ولي ولي العهد رئاستها العليا، وتشكيل مجلس إدارة جديد لها برئاسة خالد الفالح، وتكليف أمين الناصر بالقيام بمهام رئيس الشركة وكبير إدارييها التنفيذيين، يجب أن يرافقه تمتع الشركة بالاستقلال المالي بحسب ما يراه من تواصلوا معي من المواطنين، وأن يتم الاستمرار في تحريرها من ربقة الروتين، باعتبار أن ذلك يُعد من أهم منجزات الدولة وأحد أهم العناصر التي خدمت نجاحها، وبالتالي ينبغي عدم التراجع عن هذه السياسة في التفرّد، دون إغفال لأهمية أن يقوم المجلس الأعلى بمراقبة دقيقة لجميع أعمالها، ففي هذا ضمانة لاستمرار النجاح الذي رافق مسيرة الشركة منذ تملّك الدولة الكامل لها وإلى اليوم.
***
وفي شأن أخير، فإن فك ارتباط الشركة بوزارة البترول والثروة المعدنية، لا يلغي أبداً أهمية ارتباطها بالدولة، فهناك أمور يختلط فيها العنصر التجاري بالسياسي بالإستراتيجي، مثل التغيير المناخي، ودور المملكة في أهداف التنمية المستدامة التي ستعرض على الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر القادم، وقد يكون من المفيد في ضوء ذلك، إقامة حوار مصغر مع بعض المختصين - وهم كثر ولله الحمد في المملكة - للخروج بتصوّر ورؤى ومقترحات قد تفيد المجلس الأعلى للشركة فيما ينوي أن يقوم به مستقبلاً.
***
فشركة أرامكو - وهي أكبر شركة بترول في العالم، ويعمل فيها أكثر من ستين ألف موظف - يتفق الجميع على أنها أهم الوجوه المشرقة للمملكة في الخارج، بل ويمكن القول إنها أحد مصادر هيبة الدولة عالمياً، باعتبارها الجهة الأهم المنوط بها تنفيذ القرار البترولي الذي يترقبه العالم، وهي مع هذه القرارات الجديدة يُفترض أن تتمتع بالمزيد من الاستقلالية، خصوصاً بعد حل المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن، والاستعاضة عنه بالمجلس الأعلى لأرامكو، وتسمية ولي ولي العهد رئيساً لهذا المجلس الأعلى بمسماه الجديد، وسيكون من المفيد لها كون رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وهو الأمير محمد بن سلمان هو ذاته الرئيس الأعلى للشركة، لأن هذا سوف يسرِّع في اتخاذ القرارات الإستراتيجية التي تخدم الشركة.
***
على أنه يُسجَّل للأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ورئيس مجلس الاقتصاد والتنمية أنه صاحب المبادرة في هذا التجديد الذي طال الوضع في شركة أرامكو، فهو صاحب الرؤية التي طرحها على مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي بدوره وافق عليها بالإجماع، ومضمون رؤيته - كما أعلن عنها- تتمثَّل في إعادة هيكلة الشركة، وفصل ارتباطها التنظيمي بوزارة البترول والثروة المعدنية، وإنشاء مجلس أعلى لشركة أرامكو، وهذا القرار يمثِّل نقلة نوعية، وربما أوجد مناخاً إدارياً في الشركة تتوالد فيه ومنه بعض الأفكار الطموحة التي تخدم مستقبل هذه الصناعة المعقّدة، وترفع من كفاءتها الإدارية، وسط تحديات أهمها انخفاض أسعار النفط، وربما صاحبه أيضاً انخفاض في الطلب الخارجي، وزيادة في الاستهلاك المحلي.
***
ومهما كان شكل الهيكلة المنشودة التي تمثِّل رؤية الأمير محمد بن سلمان، فإني على يقين بأنّ المصير الذي آلت إليه شركة البترول الفنزويلية إثر تعثرها كانت حاضرة في ذاكرة سموه وهو يتقدم إلى مجلس الاقتصاد والتنمية بهذه الرؤية، إذ إنّ رؤية كهذه من الطبيعي أن تراعي وتتأثر بكل التجارب العالمية، ما كان منها ناجحاً فتحاكيه، وما كان منها متعثراً فتتجنب الوقوع بالأخطاء التي أثَّرت في مسيرته، وبالتالي الاستفادة من أي نجاح أو فشل صاحب مسيرة الشركات المماثلة بأخذ الدروس والعبر منها، وتوظيفها لصالح شركتنا العملاقة.