د. جاسر الحربش
لماذا، خلال أسبوع وفي نفس المنطقة وفي جمعتين متتاليتين وباستهداف أكبر عدد من المصلين في الجوامع الكبيرة وباختيار الاحتمال الأكبر لكون أغلبية المصلين على مذهب واحد وليس من المذهبين الرئيسيين؟
لابد أن الهدف لم يكن القتل للقتل فقط، وإنما بما يتعدى إلى ما هو أشد من القتل، إلى إحداث الفتنة التي لا تبقي ولا تذر. هذا ما يريده الإرهاب ورعاته ودهاقنته، وبالتأكيد لأهداف سياسية وليست دينية تعبدية. من يريد التوسل إلى الله بالدين لا يدفع بالمراهقين للانتحار بتفجير أنفسهم وسط المصلين، ولا حتى وسط كفار مسالمين. واعظ الشحن الطائفي ومفتي القتل والتدمير لا يمكن أن يكون مؤمناً حقيقياً، وكيف يكون كذلك وهو يمارس، بالفتوى والوعظ والمفجرات، هدم أهم ركائز الإيمان بقتل الأنفس الغافلة المسالمة في بيوت الله. إن كان من ينتمي لهذه العقليات المنحرفة يدعي التقرب بجرائمه إلى الله فبأي طريقة أخرى يكون التقرب إلى الشيطان؟
على كل الأحوال، سواء كانت أهداف وقناعات القتلة دينية أو سياسية (وهي سياسية فقط لا غير) هاهم قد أوصلوا معاناة المجتمع السعودي مع إرهابهم إلى الحدود القصوى، إلى حيث أصبح المواطن الجمعي (باستثناء الإرهابيين أنفسهم) يدرك مقدار تهديدهم لأمننا الداخلي والخارجي وهدم الوطن على جثث الجميع.
وصلنا إلى النقطة التي لم تعد تنفع معها مناصحات ومكافآت تزويج وتأمين عمل وسيارة، ولم يعد ينفع التعامل مع واعظ ومفتى الإرهاب بمواصفات وحصانة شيخ أو عالم شرعي. حان الوقت الملح والمناسب أيضاً للاجتثاث بالكامل وإنقاذ التعايش الاجتماعي من هذا الوحش القبيح.
أين وصلنا مع الإرهاب حتى الآن؟
أصبح لدينا ملف ساخن ضخم تعودنا على التعامل معه بتسميح الخواطر وتبادل الزيارات والكلمات الطيبة في العزاءات، ولكن وفي نفس الوقت يتمتم كل واحد منا في سره، طالباً ستر الله وحمايته من ضربة الإرهاب القادمة. ما صبرنا عليه حتى أصبح ملحاً هو ذلك الهاجس المتبادل بين أتباع المذهبين الرئيسيين في هذا الوطن المشترك، بأن كل مذهب يتربص بالآخر، وهذا ما يخطط له الإرهاب كهدف مرحلي ليصل إلى أهدافه النهائية.
أقول بكل وضوح، وصلنا إلى حيث أصبح السعودي الشيعي يعتقد بوجود اختراق خطير داخل بنية المذهب السني لصالح الفكر الإرهابي القاتل، وعلى الطرف الآخر أصبح السعودي السني يعتقد بوجود اختراق خطير في بنية التشيع العلوي لصالح المذهب الإيراني الصفوي المسيس، لتدمير المجتمع السعودي على أيدي قلة من الحمقى والمغفلين من أبناء كلا المذهبين.
آن الأوان لنتعرف إحصائياً وبالأرقام على النسبة الحقيقية بيننا، المؤيدة للتعايش الأخوي التكافلي، وكذلك على النسب الحقيقية للمتطرفين المبرمجين لقتل الآخر المختلف بين أتباع المذهبين السني والشيعي. المتوقع، وليس المأمول فقط هو أن الغالبية الكبرى من المواطنين لا يحملون ضغائن مذهبية تقبل باستباحة الدماء والأعراض والأنفس وبيوت الله، ناهيك عن التدمير المتبادل للوطن الواحد، مع الاعتراف بأن كل أصحاب مذهب يتمنون للآخر أن ينضم إليه. المواطن الكادح البسيط، سنياً كان أو شيعياً، مشغول بهمومه المعيشية اليومية وتأمين مستقبل أطفاله، تاركاً التفاصيل الشرعية والأمنية لولاة الأمر ومن يرون فيهم أهلاً للثقة الوطنية والشرعية.
الإشكال وقع حين استطاع شيوخ وملالي ووعاظ ودعاة تطرف في المذهبين العثور على ثغرات ونقاط تساهل هنا وهناك يزايدون بها على السلطات الوطنية والشرعية. هذه الثغرات يجب أن تسد عاجلاً وبأسرع وقت وبكل قوة.
لذلك أزعم شخصياً أنه قد تم التسلط علينا، كأغلبية وطنية غير متحيزة، من قبل أقليتين مذهبيتين تشكلان أسوأ ما في مذهبينا الرئيسيين على الإطلاق.
المؤكد أن هاتين لا تستحقان الهيبة والتوجس والارتياب التي تحاول بها استقطاب المجتمع عدوانياً ضد بعضه، ولكنها، وهذا هو سر قوتها وما يجب الإسراع بالتعامل الكافي والشافي معه استطاعت أن تجمع ضدنا الأسلحة الفتاكة التالية:
أولاً: قلة من الأتباع الجهلة وضعفاء العقول لا تتردد عن قتل نفسها لتنفيذ أوامر قياداتها الإجرامية بدون تفكير.
ثانياً: امتلاك الأدلجة المشوهة المحللة للانتحار بذريعة الوصول سريعاً إلى الجنة والحور العين.
ثالثاً: امتلاك التمويل والتسلح من مصادر لا يزال بعضها غير مرصود.
رابعاً: وأهم من ذلك كله امتلاك القدرة الإعلامية على الاختراق والتقاط النوعيات المهزوزة من ذوي السوابق والمحبطين نفسياً واجتماعياً.
هذه هي مرتكزات قوى الإرهاب ويجب التركيز على هدمها بما يشمل كلا المذهبين، باعتبار الوطن هو الحاضن الأول والأخير للدين والأمن والنفس المستقبل.
في الختام، لا أريد أن يفوتني التوجه بواجب كامل الإعزاز والتقدير لعائلتي الأربش والعيسى الكريمتين، وللزميلة الصابرة كوثر الأربش.
إن كلمات العزاء لا تشفي الجراح، لكنها قد تخفف من شعور التفرد بالمصاب والفقد والامتحان، ليتأكد الإخوة والأخوات والأبناء والبنات في أسرتي الأربش والعيسى الكريمتين، أن مصابهم يتشارك فيه معهم كل الخيرين الطيبين من أبناء هذا الوطن. عظّم الله أجرنا وأجركم وجبر مصابنا ومصابكم، وتقبل الله أحبابنا وأحبابكم أحسن القبول مع الأبرار والأخيار في جنات النعيم، وإنا جميعا لله وإنا إليه راجعون.