د. محمد عبدالله العوين
حينما دخلت جماعة من خوارج هذا العصر من أتباع من يسمون أنفسهم «الدولة» أو«الخلافة» ممن ضلوا وأضلوا حلب الشهباء قبل يومين منتصرين على فرقة أخرى لا تختلف عنهم في كثير من شطط الفكر؛ هم جماعة «النصرة» صاحت جماعة الدولة في من معهم من أتباعهم : السبايا، السبايا!
أي أن نساء حلب المسلمات أصبحن سبايا يسترقهن المنتصرون وينتهكون أعراضهن تحت اسم غنائم الحرب!
لقد أحل لهم فكرهم التكفيري استحلال دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم؛ لأنهم خرجوا عن دائرة الإسلام ودخلوا دائرة الكفر! أما غير المسلمين من الديانات والملل الأخرى فهم إلى الاستحلال من باب أولى!
يتشكل العقل الخوارجي في المجتمع الإسلامي بدوافع الرفض الأعمى المطلق للواقع وإعلان المعارضة ثم القطيعة ورفض الحوار أو التنازل عن الرؤى الذاتية مهما كانت التحيات جسيمة؛ وقد قدمت الأجيال الخوارجية المتتابعة من نافع بن الأزرق إلى شكري مصطفى صورا شتى من الحماقات الفدائية المتصلبة التي تستميت في سبيل الدفاع عن معتقداتها مهما بدت أنها خاسرة أو مهلهلة أو غير قابلة للتطبيق أو الحياة.
لا أريد في هذه المقالة الموجزة التي لن تأخذ طابع الرصد التاريخي الدقيق أن أفند شبهات الخوارج العقدية والفقهية؛ فذلك أمر شائع ذائع قريب ممن يتطلبه في مظانه العلمية؛ بل أود تلمس الأبعاد النفسية التي تدفع العقل الخوارجي إلى أن يقف شاهرا سيفه أمام الجموع معلنا الرفض، معتنقا التبتل؛ ولكنه لا يعف عن الدم، متعاليا على الصغائر؛ لكنه لا يتورع عن ارتكاب الكبائر، معتقدا اعتقادا جازما أنه هو الحق وأن غيره الباطل، وأنه هو الأقرب إلى الله وغيره الأقرب إلى الشيطان !
يتميز العقل الخوارجي بأنه مغلق عنيد ظاهري النص، سطحي التناول، قريب الغور، سريع الانفعال، ساذج التصور، مسرف في الخيال الطوباوي، نافر من الاجتماع، حفي بالاختلاف، ظاهري الزهد، باطني الاشتهاء، متأثم من الصغائر متجرئ على الكبائر.
وإذا كان ذو الخويصرة قد أظهر خصلتين ذميمتين في موقفه المخزي من قسمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ لعل أولهما: شغف شخصية الخوارجي بالاحتجاج والخلاف وتعمق خاصية الرفض فيه، وثانيتهما: تغول شهوة المال وما يتبعها من قائمة الملذات الدنيوية في شخصيته، وقد أخبر الرسول الكريم أنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يتظاهرون بالعبادة من صلاة وتلاوة ومظاهر زهد؛ ولكن عبادتهم لا تمنعهم من ارتكاب المحرمات؛ لأنها لا تربي فيهم الخوف من الله، ولا تحجزهم عن فعللا ما يشين؛ لأنهم يفهمون قيم الدين فهما سطحيا لا يصلون به إلى جوهر قيمه النبيلة السامية؛ ولهذا أمر الرسول الكريم باستئصالهم وقتلهم؛ لشدة خطرهم على الأمة.
وقد تبين خطر الشخصية الخوارجية السطحية المجبولة على المعارضة والرفض والشذوذ في الموقف والمتوغل فيها شهوة المال والجنس في موقف الخوارج الذين خرجوا على الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب «رضي الله عنه» فقد شجب علي موقفه بقوله «كلمة حق أريد بها باطل» حينما رفضوا تحكيم الرجال في معركة صفين وطلبوا أن يحكم القرآن، وتجلى استفحال شهوة الجنس واستحلال أعراض الناس في موقف خوارجي قميء اعترض على علي بن أبي طالب لمنعهم من سبي النساء المسلمات « أول ما نقمنا منك أن قاتلنا بين يديك يوم الجمل، فلما انهزم أصحاب الجمل أبحتَ لنا ما وجدنا في معسكرهم من المال ومنعتنا من سبي نسائهم وذراريهم «! ولا بد أن نلحظ هنا أن معركة الجمل 36هـ قد دارت بين معسكر علي بن أبي طالب والمعسكر الآخر الذي تزعمه الصحابيان الجليلان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضي الله عنهما؛ فهذا الخوارجي لا يتورع عن أن يلغ في أعراض المسلمين؛ لأنه كفرهم واعتبر مالهم غنائم ونساءهم سبايا!.
يتبع