د. محمد عبدالله العوين
اندفع أحد الشباب على إثر فاجعة مسجد قرية القديح يسأل سمو ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف حين وقف يعزي أبناء القطيف في مصاب الوطن قائلاً: اسمح لي يا سمو الأمير إذا الحكومة ما تقوم بدورها فهي شريكة في هذا الجانب (يقصد جريمة القديح) فأجابه الأمير على الفور وببديهة حاضرة إجابة حازمة تعد من الإجابات المسكتة البليغة: أنا أعلم أنك منفعل، ولا ألومك في الشهداء المتوفين؛ ولكن اسمع: الدولة قائمة بدورها وأي أحد سيحاول القيام بدور الدولة سيحاسب، لن تأخد الدولة في الله لومة لائم، الدولة ستبقى دولة وستضبط الأمن مع من يخالف كائناً من كان، فلنكن كلنا يداً واحدة مع الدولة.. فأجابه الشاب: نحن كلنا مع الدولة، ورد عليه الأمير: بارك الله فيك.
وبتحليل هذا الحوار الموجز في كلماته البليغ في دلالاته؛ يتبين لنا أن الشاب الذي ارتبك في بداية كلامه حين احتار في اختيار مفردة ديباجة التحية التي توجه للمخاطب من ذوي المقامات الرفيعة؛ هل هي «سماحة» أم «سمو»؟ مما يدل على حالة فوارة محتشدة من المشاعر النفسية الإنسانية قد تكون ناتجة من تأثير هول فاجعة الجريمة وفقدان الأحبة؛ ولكن التردد في التعبير عن الفكرة الجريئة التي انطلقت بعد ثوان قليلة صريحة واضحة كاملة التفاصيل، وربما كانت هي المقصودة من الإقدام على السلام وتقبل عزاء الأمير؛ للإيحاء إليه بما يفهم منه أن أهالي القطيف -كما عبر الشاب- لديهم القدرة على حماية أنفسهم من الجرائم الإرهابية بطرق مختلفة لم يستطع الإفصاح عنها.
وبإطلالة على ما حدث وما يحدث الآن بعد وقوع فاجعة القديح نجد أن هذا الشاب عبر في سؤاله الاستنكاري التقريري للأمير عن فكرة لم تكن غريبة ولا جديدة في وسط مجموعة قليلة من شبان القطيف -مع الأسف- مختطفة أيدلوجياً إلى خطاب آخر غير وطني؛ خطاب قادم من خارج الحدود وتغذيه وتدفق فيه ماء الحياة أيد أجنبية، تسوق لأفكار شاذة، وتدفع بعض الشباب من أبناء مدينة القطيف العزيزة إلى الانسياق والاستسلام لمقولات وأطروحات عدائية للوطن كله؛ قيادة ووحدة وشعباً، وتسعى إلى تفتيته وخلق البلبلة فيه، وتجذر للطائفية البغيضة، وتحفر أخاديد العداء بين مكوناته المذهبية والمناطقية، وتسعى إلى دق إسفين الكراهية والاختلاف بينها، وتتمنى أن تستطيع إيقاد لهب الاختلاف والصراع الطائفي في مناطق المملكة كلها؛ وليس في القطيف فحسب.
عبرت فكرة الشاب التي جاءت جاهزة مطبوخة تنبئ عن ترسخها في وجدانه وتعمقها في فكره واستسلامه لها بعد حقن طويل من مصادر داخلية تنتمي إلى أطراف خارجية؛ عبرت عن وجود «مشروع» خطير تبينت ملامح منه في تغريدات وصور وعبارات شاذة تنادي بالحماية الذاتية عن طريق ما سمي بـ»اللجان الشعبية» التي تقف في مداخل المدينة وتقوم بالتفتيش على الداخلين إليها وتسألهم عن هوياتهم وإلى أين هم ذاهبون ومن يعرفون في المدينة؟ وتقوم بدور رجال الأمن في تفتيش المركبات واحتجاز من تشتبه فيهم.
لم يعبر الشاب الذي تردد في البدء مستشعراً خطورة ما عبر عنه إلا عن أفكار موجودة عند بعض الشباب المختطف فكرياً ووجدانياً، والمغرد بعيداً عن وطنه، والمنتمي إلى رؤى غير وطنية والمحتشد بمفهومات مغلوطة عن قيادة وطنه السياسية وعمن يختلف معهم طائفياً؛ بحيث وقر شك في وجدانه من الجميع؛ إما بأنهم يختلفون معه إلى حد الكراهية، أو أن الدولة ضعيفة وغير قادة على حمايته وحماية أهالي القطيف من جرائم الإرهاب!.. ولكن الأمير أجاب على البديهة والفور بحس القائد وبسعة صدر الحكيم وبحزم رجل الأمن بأن من يسعى إلى اختطاف دور الدولة سيحاسب كائناً من كان، والدولة ستبقى دولة.
... يتبع،،،