أمل بنت فهد
من قال إن الحزن حجر يلقى فوق حجر.. لتفيض المحابر وتسير الأقلام.. فإنه نسي أن بعض الحزن خيبة وخذلان وكساح.. ووجع وانفلات وفوضى تجثم بثقلها على العقل.. ويبقى الصمت نفسه حائراً لا يدري هل يبقى أم ينتحر.. من جمعة إلى جمعة غرست الأحداث أظافرها المتسخة في قلوبنا.. تحكي قصة ثأر عتيقة حدثت بين الأجداد.. استغلها كل من عرفها ليشعل النار بين الأحفاد.. إنها السخرية السوداء.. أن يدفع الشباب ثمن الماضي.. ويأتي أحدهم يرسف خاصرته بحزام ناسف ويفجر نفسه ومن حوله معتقداً أنها الشهادة والمجد!
الخيبة أن ينهزم الشباب بشكه وجنونه وجموحه أمام خرافات الدجالين.. الخيبة أن نعتقد أن ماحدث وليد الصدفة أو مؤامرة جديدة.. المؤلم أن نقنع أنفسنا أنهم ضحايا العدو قبل أن يكونوا ضحايانا نحن.. ضحايا صمتنا أمام تعبئة نفسية مستمرة.. أخذت وقتاً طويلاً لتصل إلى ضغط الزناد دون لحظة تردد.. تلك الأشلاء المتطايرة تحكي ألف إثبات على الفشل.. ما يحدث يحتاج عمراً بحجم الوقت المهدر في تجاهل المصادر.. وغض الطرف عن مؤشرات تقول ها هنا فتنة.. إن اشتعلت ستحرق الحق والباطل.
لكن وبرغم الحزن.. وإكراماً للدماء المهدرة.. آن الأوان لنستيقظ.. ونبدأ من حيث بدأ الشر.. من حيث بدأت فكرة الأفضلية.. وشيطنة الآخر.. تلك الثغرة التي يدخل منها أي عدو ويستطيع أن يفرق ويدمر.. في أي مكان في العالم أجمع.. وفي كل ثقافة.. يستطيع الإرهاب أن يكبر ويعمي البصائر.. باسم السماء والفضيلة والخير.
آن الأوان أن تحذف وتجرم كل كلمة يمكنها أن تحط من شأن الآخر.. حتى لا يكون يوماً ما هدفاً لمن يظن أنه منقذ البشرية من الرجس.. فالسلام لا يمكنه أن يكون بوجود التصنيف والتمييز.. ملائكة وشياطين.. أهل خير وأهل شر.. مهتدين وضالين.. بل عندما يكون السلوك هو المحك.. وليس ما تحمله في رأسك أو تحويه روحك.. المحاكم الاستباقية ظلم وطغيان.. والتصنيف آفة العقل والحكمة والرحمة.. وعدوان ودخول في النوايا.. وحرب دون قضية.. تحصد الجميع.. الجميع.