أمل بنت فهد
كثرة التبرير نهج من يشعر أنه خطيئة الحياة.. لذا فهو يبرر أحلامه.. يبرر تحركاته.. يبرر اختياره.. باقٍ في محاكمة أبدية.. في كل جلسة يشرح فيها أسبابه لأهله.. لأصدقائه.. لشريكه.. لمديره.. لزملائه.. لديه شعور ضاغط.. ليكون كتاباً مفتوحاً ومشاعاً للجميع.. ليقرؤوه.. وينتقدوه.. ويفندوا تجاربه.. وسلوكه.. وبالطبع في نهاية كل جلسة.. هو المخطئ والملام والمقصر!
لهذا النوع من البشر تحديداً.. يكفي أن يفكر قليلاً في الإجابة عن سؤال جد بسيط.. لماذا تبرر وتشرح أسبابك؟
فالحياة حياتك أنت.. والمال مالك.. والأبناء أبناؤك.. والذنب ذنبك.. والنجاح نجاحك.. والخسارة خسارتك.. والصحة صحتك.. والجسد جسدك.. لماذا عليك أن تمنح الآخرين وصاية عليك؟ كل ما حولك عائد لك.. أنت صنعته.. وأنت من سيخسره أو يطوره.. متى تقذفها في وجوههم.. وتعلنها للمتطفلين والمتسلطين.. «لأني أنا أريد.. لأني أنا أرى.. لأني أنا أشعر».. لمرة واحدة ستقولها وبعدها يخرسون للأبد.. أو يبحثون عن صيد آخر يمارسون عليه أستاذية الحكمة والموعظة والتدبير.
أتعرف الوجه العاري من التزييف والأقنعة؟.. ذاك الوجه البشع الذي يخفيه الإنسان عن أخيه الإنسان.. ويرخي عليه أستاراً من حُجب الكياسة والتدين والصلاح.. بدلاً من أن يتعامل معه.. عوضاً عن معالجته يخفي بشاعته.. يداريه كي يبقى هادئاً حسب الموقف.. وينفلت منه ويثور.. فيدمر متى سمحت له الفرصة.
خذ مثلاً.. وجه الغيور الخفي.. هذا المخلوق الذي يقحم نفسه في مقارنة مع الجميع.. يرى في جمال الآخر اتهاماً له بالدمامة.. ويرى في نجاحه اتهاماً له بالفشل.. يخلق في عقله أعداء وخصوماً.. وقد تتمادى حالته ليمضي حياته في النيل منهم والانتقام.. رغم أن الغيرة شعور طبيعي لا بد أن يصادف الإنسان السوي.. ولأنه طبيعي يستطيع أن يتعامل مع تلك الثورة الغبية.. بإدراكه أنه لا يخضع لند.. ولا يدخل سفاهة المقارنة.. فالمشاعر جامحة.. إن صادفت نفساً شريفة وشجاعة.. رضخت.. وإن قابلت الضعيف دهسته وسحقت إنسانيته.. وهذا ما يجعل السوي سوياً.. والمريض مختلاً.. فكيف إن كنت تبرر لمجنون مثله؟
ولأجل ألا تكون ضحية المتسلطين ومرضى العظمة.. لا تبرر.. فإن للتبرير اهتزازات ضعف تلتقطها الذئاب المتربصة مهما كانت خفية.. ولأنك بمجرد أن تبرر فأنت تفتح لهم باب الخوض في حياتك.. ولا شك سيمزقونك.. ويستمتعون بانكسارك.. تذكر أن التبرير انحناء يعقبه ركوع.
جرّب مرة أن تتوقف قبل أن تجيب.. وتأكد من مكانة صاحب السؤال إن كان في موضع يسمح له أن يقرر شيئاً نيابة عنك.. فإن لم يكن.. فهو متطفل يغذي عقده على حسابك.. لذا دعه «يبلط البحر».