أمل بنت فهد
قليلاً ما يسلم المندفع من العثرة أو الاصطدام.. وبحسب قوة اندفاعه تكون إصاباته.. أبسطها أن تخدش قلبه أو تجرحه.. وأوجعها أن تغيره تماماً.. ويفقد خلالها ثقته أو إيمانه بذاته.. تتناثر منه ويصعب أن يجمعها من جديد دون أن يضيع منها شيئاً.. فما أقسى أن يفقد شيئاً من نبضه على حين تسرع منه.. والأقسى حد السخرية أن يعيد الاندفاع مرة بعد مرة لذات المكان.. أو لإنسان يشبه الغادر الذي سلبه جزءًا منه.. كأنه يحمل فوق رأسه عقل نائم.. وقلباً يبحث عن وجعه كلما غشاه شيء من الشفاء.. فهو لا يدري أنه رهين اللذة الأولى والتجربة البعيدة.. تلك التي حجبتها الذاكرة على أنها منتهى النشوة وإن تبعها جرح عميق.. إنه يبحث عن تكرار اليقظة المبكرة لشعور عميق!
ولست أتحدث عن الافتتان بالهالة التي يصنعها شطار التسويق للذات والتجييش.. كما وصفهم الكاتب الاسكتلندي توماس كارليل حيث قال: «العيون الضعيفة أكثر من يحب الأشياء اللامعة» لأن فتنة الجماهير عدوى من تخدير العقل.. تنتشر بقوة الأكثرية.. فيدخلها من لا يطيق البقاء وحيداً حتى مع الحق.. المهم أن يكون مع الأغلبية.. لأنها المعيار الذي يحدد به أين يقف.. يمكنه أن يشارك في جريمة.. ويقبل العار الجماعي.. لكن تحمل مسئولية الخطأ الفردي يرعبه.. يخشى أن يقول رأيه.. ويطلب منه الدليل والبرهان فيعجز ويتلعثم.. هنا حرفياً يذوب داخل ذاته ويذوي.. جبان وسيموت جبان.. محرقة جماعية خيرٌ عنده من قبر وحيد مستكين.. تلعنه قوافل الجاهلين كلما مروا به.. ذاك انتهى أمره منذ الاحتشاد الأول.. وترديد ما يقوله أهل الصف الأول.. والسير أينما أخذه ازدحام المسير.
التجارب الأولى تشكل رغبات الإنسان الأكثر إلحاحاً.. كلما جرب غيرها يعود لما يشبهها.. يريد أن يعيد نفس المشاعر.. ويظن أن تكرار الأحداث سيخلق ذات الارتباك.. وذات الاستجابة.. وذات الدهشة.. وذات الارتعاش.. وفي كل مرة يندفع.. يصطدم باستحالة التكرار.. أو تخدعه ذاكرته التي تنسخ الحدث في محاولة لمحاكاة الشعور.. وفي كل مرة يرتطم.. ويوماً ما قد يصحو وهو احتمال ضئيل.. والأقرب أن تموت شهيته.. شهية التجربة.. شهية الحياة.. شهية الإحساس.. ليصبح الميت الذي يتنفس.