هل باتت وسائل التواصل الاجتماعي تتحكم في نمط الحياة وفي الحالة المزاجية والصحية للإنسان؟ في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنشطتها المرئية والصوتية والمحسوسة فإنها قد بدأت بالفعل في تغيير نمط حياة الفرد والمجتمع على حد سواء.
حوالي ثلث سكان العالم يتفاعلون في مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها, لم تعد الصحافة التقليدية هي مصدر الأخبار الوحيد؛ بل أصبح كل فرد يحمل هاتفاً هو المحرر والمصور وبدون مبالغة أصبح هو رئيس التحرير!, والعدد - لا شك - في تزايد مستمر. كشفت دراسات أجرتها الدكتورة الأمريكية ميشيل دروين المتخصصة والباحثة النفسية في التكنولوجيا ووسائل الإعلام على مجموعة من الطلبة حول نظرية حديثة نسبياً تُدعى: متلازمة اهتزاز بانتوم, تتمحور عن اعتقاد الشخص الذي يحمل الهاتف الجوال بأنه يهتز بداخل جيبه في حين أنه ربما ليس موجوداً داخل الجيب, وهي ظاهرة أخذت طريقها في الانتشار بين مستخدمي الهواتف الذكية التي تُصدر اهتزازات من تنبيهات المواقع المختلفة أو الرسائل ونحوه, وكان نتاج بحثها بأن 89 % من الذين خضعوا لهذه التجربة يشعرون باهتزازات عصبية مرة كل أسبوعين على الأقل في منطقة الفخذ وتحديداً في نفس المكان الذي يتم وضع الهاتف النقال في جيب البنطلون بالرغم من عدم وجوده في الأصل!, وكأن التكنولوجيا بدأت بإعادة تشكيل النظام العصبي لدى الإنسان, كذلك فقد أصبح العقل يُثار بطريقة لم تحصل من قبل! حيث أصبحت هذه الأجهزة تجعله يصدر أوامر الاهتزاز بسبب التأثير الخارجي, ناهيك عن تأثير ذبذبات الهاتف على المخ أثناء الاتصال أو بالقرب منه أثناء النوم.
العجيب في الأمر أن هذه الظاهرة قد تمت ملاحظتها ودراستها قبل الألفية وقد كان بطلها آنذاك جهاز النداء (البيجر!). تتبدل الأجهزة والمعنى واحد, تتنوع المواقع والمعنى واحد, هي انغماس الإنسان بنفسه عمن سواه وجلوسه بمنأى عن الآخرين بالرغم من تواجده بين أظهرهم, إلى متى؟!
إذا ذهبنا إلى أبعد من ذلك, ففي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يرتبط الشعور الكيميائي بالسعادة عبر هرمون الدوبامين, وهو يزداد طردياً مع زيادة عدد المتابعين!, وفي دراسات حول هذا الأمر كشف علماء أبحاث أن إفراز مثل هذا الهرمون يكون فعالا أكثر عندما يتحدث الشخص نصياً أو عبر فيديو, ويشارك الآخرين بعضاً من هواياته ويومياته. أعتقد بأن من سيقرأ هذه المعلومة سوف يؤكد صحتها, وهي أن نسبة التواصل اللفظي الحقيقي بين الأشخاص انخفضت نسبته فأصبحت تتراوح بين 30-40 %, في حين ارتفاع نسبة التواصل الغير لفظي عبر المواقع في تزايد مستمر حيث يصل إلى 80 %. والسؤال المطروح بعد هذه الحقيقة: لماذا؟
الجواب بسيط: هي طبيعة الإنسان حب التطلع إلى كل جديد, وقدرته على التعبير والتصفح دون الحاجة إلى مظهر لائق أو الذهاب إلى مكان معين حيث الرسميات والتكّلف, كذلك زيادة تحفيز هرمونات السعادة التي تتزايد مع التفاعل وعدد المتابعين, في المقابل قد يجد الشخص سخرية من جلسائه وأقرانه في الجلسة المباشرة معهم من باب «الميانة!» فلا يجد متعة في الحديث لأنهم يعرفونه ويعرفون عنه الكثير, أيضاً وجود عنصر الغموض والمفاجآت وسهولة مشاركة اللحظات, حيث تعتمد مواقع التواصل على البساطة في الاستخدام بحيث تكون سهلة في متناول الصغار والكبار.
التقنية الحديثة أداة ونعمة عظيمة, وهي مثل غيرها من الأمور المباحة التي تحمل الجانبين, الحلال فيما يُرضي الله سبحانه, والحرام إذا ما كانت في أمور محرمة.
«التكنولوجيا تجعل من الممكن للناس السيطرة على كل شيء، ما عدا التكنولوجيا!».
جون تيودور