سلمان بن محمد العُمري
إن الأمن الفكري مرتكز رئيس في مسألة الأمن العام، بل هو مرتبط بسائر عناصر الأمن، فإن مقوماته لا تقتصر على أساس واحد، فالتعليم والإعلام والتوجيه الديني كلّها مؤثرات في هذا الجانب، ولذا فلا بدّ أن يتوافر في التعليم العام النافع المستمد من كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على فهم السلف الصالح البعيد عن الغلو والتطرف، والحذر من الإقصائيين الذين يريدون تنحية الدين عن التعليم، أو التعليم عن الدين، وأما الإعلام فهو لا يقتصر في حيويته وأهميته على ذاته فقط، بل ربما يكون معول هدم أو أداة إصلاح، وربما يقوّض أو يساعد بقية العناصر.
والأمن الفكري مطلب مهم في حياة المجتمعات، ومن المعلوم أن للأمن جوانب متعددة منها الاجتماعي، والبيئي، والاقتصادي، والفكري، ولكن الأمن بمفهومه الشامل من الأمور الضرورية واللازمة لصلاح الدين والدنيا، وإذا كانت الجوانب المتعددة للأمن بمختلف أنواعها محدودة في مجالها، فإن أخطرها - بلا شك - هو الأمن الفكري، الذي يؤثر على جميع جوانب الحياة، فهو بمنزلة الرأس للجسد والقلب الذي إن عطب عطب بقية الجسم، وإن أصيب بالوهن أصيب سائر الجسد بالوهن والضعف. وعندما يواجه المجتمع - أيّ مجتمع - خللاً أو انحلالاً فكرياً، فإن المجتمع سيعاني من هذا الخلل أو الانحلال، فقد يفضي هذا الخلل الفكري إلى الغلو والإرهاب والهدم، مهما كان مصدر هذا الفكر، سواء ارتبط بالدين أو بغيره.
ولا شك أن أيّ خروج عن الفطرة السوية، وهو ممّا لا يتفق وسماحة ديننا وشريعتنا الإسلامية، وتعاليمه السامية، وأخلاقة الفاضلة، كما أن اضطراب الفكر وتشويهه، والانحراف الفكري سبب في انتشار الفتن، وفقدان الأمن، وظهور الفرق والانشقاق، وحصول القلاقل، وينتج عنه اعتداء على النفس البشرية، ومكتسباتها، وأموالها، وأعراضها، والإفساد في الأرض، فيؤثر على اقتصاد البلدان. وأعظم من هذا حينما يربط بالإسلام، فيشوّه صورة الإسلام، وينفّر غير المسلمين منه عندما يلصق العمل الإرهابي والتخريبي باسم الإسلام، فيضيق على أهله، وينال منه عبر وسائل الإعلام.
وحينما يستقر الأمن الفكري في مجتمع، فإن هذا عامل رئيس في استقرار المجتمع، واستقامة أوضاعه، وازدهار بنائه، ويبعده عن المشكلات والقلاقل.
إن مسؤولية المواجهة تبدأ من الأسرة لتربية الأبناء تربية إسلامية صحيحة، تحميهم من الانسياق أو التأثر بأيّة دعاوى مضللة، كذلك المؤسسات التعليمية تتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية في هذه المواجهة. فالتربية الإسلامية الصحيحة في المدارس تعد حجر الزاوية في منظومة جهود حماية الأمن الفكري. وهي - لا شك - ضمن منظومة كبرى تشترك فيها كل مؤسسات وأفراد المجتمع كل بحسبه. ولكن أرى أن وزارة التعليم يكون عملها مختلفاً وفق دراسات علمية ناجحة وبرامج عملية متعددة لمواجهة الانحرافات الفكرية وترسيخ الأمن الفكري في البلاد.
وفي الأخير، عندما يتحقق الأمن الفكري يتحقق - بإذن الله - الأمن في جميع جوانبه.