د. عبدالرحمن الشلاش
التفجير الذي حدث في مسجد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في بلدة القديح في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية لم يكن الأول، فقد تعرضت دور العبادة المقدسة في أنحاء من العالم لاعتداءات التكفيريين الإرهابيين المجرمين على مدى طويل من تاريخ الإرهاب، ولعلنا مازلنا نتذكر الهجوم الإرهابي على المسجد الحرام عام 1400 هـ بقيادة الهالك جهيمان وطغمته الأشرار وما نتج عنه من قتل وسفك لدماء الأبرياء وتعطيل للصلوات والعبادة وإيقاف لشعيرة العمرة في شهر الله المحرم.
من ذلك التاريخ أي قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاما تكون لدينا في المملكة ما يمكن تسميته بالتنظيم الإرهابي الذي يحمل الفكر التكفيري الضال، حيث تكفير الحكومات والشعوب واعتبار من يعتنقون هذا الفكر المنحرف عن منهج الإسلام بالفرقة الناجية إمعاناً في الصلف والغرور وتزكية النفس بغير حق وكما قال ابن سيناء رحمه الله «لقد أبتلينا بقوم يحسبون أن الله لم يهد أحدا سواهم». هذا التنظيم السرطاني الخبيث وإن تم القضاء على رؤوسه في ذلك الوقت بفضل الله سبحانه ثم يقظة الدولة وحزمها إلا أنه خلف خلايا ظل بعضها خاملاً ينشط أوقات الضرورة وآخر نشطا يبث هذا الفكر المسموم متى ما وجد المناخ ملائماً لبث أفكاره في المساجد والجامعات والمدارس والحلقات والاستراحات والرحلات المنظمة للعمرة أو زيارة الحرم النبوي أو للأماكن السياحية والرحلات الخلوية إغراء للشباب باسم الترفيه بينما يدس السم في العسل ليأتي المخرج السيئ شباباً كارهاً لوطنه وأسرته ومجتمعه المحيط ناقماً على الأوضاع التي يرى بسوء بصيرة من لقنه ودرسه أنها لا ترضي الله عز وجل، وأن الأمة منغمسة في المنكرات وأن معظم من يعيشون في بلد التوحيد إما كفارا أو مرتدين أو عصاة وأن خير علاج نصحهم ليعودوا لجادة الصواب بالقوة والقسر أو محاربتهم وقتلهم.
حين تكون تنظيم القاعدة الإرهابي وجد في هؤلاء وتلاميذهم مواد خام ملائمة لتنفيذ أجندته، واستخدامهم حطباً لنيرانه بتنفيذ عملياته الإرهابية التي أدت إلى قتل المئات في دور العبادة والعلم وفي أماكن التجمعات إما بزرع المتفجرات أو لبس الأحزمة الناسفة، واستمر تجنيد أبناء هذه البلاد شباباً وصغاراً مع ظهور تنظيم داعش المجرم لأنه وجد الأرضية الخصبة والجنود الذين تمت تهيئتهم ليرتدوا لسفك دماء أبناء وطنهم وزعزعة أمنه واستقراره فلم تسلم المدن السعودية السنية والشيعية من عملياتهم الإجرامية في الرياض وعرعر والأحساء والقطيف فالإرهابيون لا يهمهم أين تكون عملياتهم بقدر اهتمامهم بتحقيق أهدافهم بزعزعة الأمن والاستقرار وإحداث الفتن الطائفية في هذا البلد الآمن المطمئن.
بهذه الصورة نشأ الإرهاب في بلادنا وصنع الإرهابيون ولا اتفق بصورة مطلقة مع من يرى أن صناعتهم من الخارج، صحيح أن للجماعات الإرهابية مثل داعش قدرات على جذبهم واستقطابهم لكنها لم تكن لتفلح لولا أنها وجدت البيئة المجهزة عبر عقود.
الدولة بحمد الله لديها القدرة على القبض على أي خلية إرهابية لكننا بانتظار قرارات حاسمة لتصفية منابع التحريض وتخليص المنابر والحلقات من دعاة تجنيد الشباب في صفوف داعش وغيرها فالخلايا السرية مازالت تعمل وبحاجة لتفكيكها ليكون تعاملنا مع الجذور وليس مع الثمار الفاسدة.