د. عبدالرحمن الشلاش
أعاد لنا ثلة مميزة من خريجي ثانوية الملك عبد العزيز ببريدة «العزيزية» سابقاً شيئاً من عبق الوفاء ذكَّرنا بما كان يحظى به أي معلم مخلص في الماضي، فقد احتفل أكثر من خمسين من قدامى طلابها داخل مدرستهم بمعلمهم القدير الأستاذ محمد بن صالح الشويعي عرفاناً ووفاءً وتكريماً وتقديراً لهذا الرجل ليكتبوا في صفحات تاريخ التعليم بالقصيم صفحة مشرقة ناصعة البياض ترسخ في ذاكرة الأجيال الحاضرة والقادمة، يستدعيها كل مسئول ومعلم وولي أمر وطالب، حين يدور الحديث عن الوفاء للمربين والمعلمين. وفاء فيه إنصاف لرجل بذل وأعطى دون منّة أو انتظار لرد جميل، وفيه درس عملي تطبيقي قد يُستفاد منه في حالات مشابهة تنتظر رد الجميل، وفيه بعث جديد لأمل وفاء كاد أن يُنسى في زمن قلَّ فيه الوفاء.
قلّبت في سيرة الرجل بما توافر لدي من معلومات وأرقام زودني بها أحد طلابه الأوفياء، وهو الأستاذ شاكر السليم إضافة إلى مقطع الفيديو الذي أُعد عن هذا المعلم القدير لأتعرف أكثر على «أبو صالح» كما يحلو لزملائه وطلابه أن ينادوه فوجدته نموذجاً مشرفاً بالأعمال لا بالأقوال، فعلى مدى أكثر من عشرين عاما أنشأ في المدرسة مكتبة عامرة بالكتب المفيدة بعد أن ضم لها مكتبته الخاصة وكلفته الإضافات الأخرى 15 ألف ريال، ولإيمانه الشديد بأهمية المكتبة فقد أمضى جزءاً كبيراً من وقته لتصميم برامج تشجع الطلاب على ارتيادها ورفدها بكتب خفيفة ومبسطة ليقضي بعض الطلاب وقتهم، وخصوصاً في حصص النشاط بما يعود عليهم بالنفع بدلاً من تبديده بما لا يفيد، وحرصاً عليهم من التحول إلى مصادر شغب تفسد المتعة على بقية زملائهم. يقول الشويعي في المقطع إن أحد المشرفين من وزارة التربية والتعليم حين قدم لزيارة المنطقة في إحدى السنوات، قام بزيارة المدرسة وأثناء مروره شاهد الحركة النشطة داخل المكتبة فحازت إعجابه، وعند عودته إلى الرياض وجه خطاب شكر للمعلم الشويعي. هذا المعلم نموذج يستحق الإشادة فهو طيلة عمله على مدى ثلاثين عاماً أباً ومعلماً وأخاً، فهو كما يذكر أحد طلابه «رجل بأُمة» تعبيراً عن عظيم نفعه فهو لم يكتف ببذل جهده وماله، بل بادر بفتح أبواب منزله لطلابه بين زائر وطالب للمعرفة ومراجع لبعض معلوماته، عدا أنه ما زال ومنذ أكثر من عشرين عاماً يصدر مع طلابه مجلتين أسبوعيتين، ومع هذا الكم الهائل وبحكم تخصصه في اللغة العربية فقد راجع كثيراً من الكتب لمؤلفين من بريدة ورسائل ماجستير ودكتوراه، غير أنه مهموم بطلابه إذ يقدم لهم الجوائز وينظم لهم الاحتفالات. شاهدته وهو يتحدث في مقطع الفيديو، فلمست فيه الهدوء والتواضع يعلو محياه علامات الوقار، فأيقنت أن إنساناً بهذه الصفات جدير بالتكريم.
طلاب المعلم الشويعي لم يُكرّموا معلمهم فقط، وإنما قدّروا كل المؤسسة التعليمية، ورسموا خارطة طريق في كيفية تكريم المستحقين دون انتظار للبروتوكولات الرسمية. مزية التكريم ولغة الوفاء ليس في مال أو ذهب أو سيارة تقدم، وإنما في كمية مشاعر وأحاسيس متدفقة تلمسها وأنت تشاهد هؤلاء الطلاب يتزاحمون لتقبيل رأس معلمهم.