د. عبدالرحمن الشلاش
في مجتمع محافظ مصبوغ بالنزعة الدينية تترك فتاوى بعض العلماء والمشايخ وبعض طلبة العلم والمجتهدين تأثيرا واضحا في نفوس الغالبية بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى تشكيل سلوكياتهم وكيفية تعاطيهم مع الأمور وما يطمئنون إلى حله فيأتوه وما يوقنون بتحريمه فيجتنبوه، ولعل بعض المتوجسين خيفة من الوقوع في الشك ناهيك عن المحرم تجده يسأل أكثر من عالم وشيخ ومجتهد لعله يعثر على فتوى قاطعة جامعة مانعة تزيل ما في نفسه من التردد والشك الذي يصل لمرحلة الوسوسة.
قبل أيام طرح متصل سؤالا في أحد البرامج، وكان البرنامج يستضيف شيخاً معروفاً في مجال الفتوى. كان سؤال المتصل عن رأي الشيخ في البطاقات التي تصدرها بعض المحلات التجارية الكبرى بمسميات مختلفة مثل «اكتساب» وغيرها وهي بطاقة يمنحها المحل للمشتري، ومن المميزات أن المحل وبناء على هذه البطاقة يمنح للعميل خصماً بواقع ريالين في كل مئة ريال من المشتريات توضع في رصيده ليستفيد منها في أي وقت شاء، كما يتيح له فرصة الاستفادة من قائمة التخفيضات التي يطرحها بين وقت وآخر. كنت أتوقع أن يبحث الشيخ في المسألة ويستقصي ويتريث إلا أن فضيلته بادر بالإجابة عن السؤال وإصدار الفتوى مباشرة رغم توقعي أن الشيخ ربما لا يعرف إطلاقا هذه النوعية من البطاقات وكان واضحا من إجابته أنه لا يعرف مثل هذه الآليات من التعاملات. رد على السائل مباشرة بقوله إنها لا تجوز لأنها قمار وميسر, واعتبر أن مثل هذا الفعل من تلقي الركبان ونصحه بترك مثل هذه المحلات والتوجه لغيرها.
ولأن فتوى الشيخ فيها عمومية وربما فقط أثارت عندي شكوكا, فقد فضلت البحث عن فتاوى لأكثر من شيخ من علمائنا المعتبرين فعثرت على ثلاث فتاوى مختلفة ومسجلة بأصواتهم وصورهم وكلها تؤكد على إباحة مثل هذه التعاملات. الشيخ الأول يؤكد بأنها جائزة إذ يحسب له رصيد وكون الرصيد معلوم ويستطيع الحصول عليه في أي وقت أراد فلا غرر فيه. الثاني يتفق مع الشيخ الأول تماما بل ويرى أن مثل هذه المبالغ في النهاية من جيب الزبون ثم يسأل أين الحرمة في ذلك؟. الشيخ الثالث يرى أن هذا النوع من التعاملات من أساليب التسويق التي تنتهجها الشركات لترويج بضائعها وهي جائزة وليس فيها شيء.
أعود لفتوى الشيخ الفاضل بتحريم هذه المعاملات فأجد مثلا أنه يعتبرها من القمار مع أن المعروف عن القمار أن جمعا من الناس يدفعون مبالغ متساوية ثم يتسابقون للحصول على مجموع المبلغ الذي يدفع في النهاية لشخص واحد أي أن فيه اشتراط للربح والخسارة أو أحدهما كاسب والآخر غارم وهو نوع من المقامرة والخداع لا ينطبق على هذا النوع من البطاقات، أما تلقي الركبان فالمقصود وكان هذا في الأزمنة السابقة من يتلقى القوافل التجارية ليوهمهم بأن الأسعار رخيصة ليشتري بأقل الأسعار وهذا أيضا لا ينطبق على مسألة البطاقات. تحريم البطاقات يحرم شرائح كبيرة من محدودي الدخل يعتمدون عليها بشكل أساسي فإذا ضيق عليهم بمثل هذه الفتاوى التي تأخذ جانب التشدد ربما لجأوا إلى أمور أسوأ تضر بالمجتمع.