رمضان جريدي العنزي
أعداؤنا كثر، شذاذ الآفاق من كل بلد وقارة، يستبطنهم الحقد والكراهية والدسائس الصغيرة والكبيرة والمؤامرات والتشوهات الخلقية، يريدون مدننا متهالكة الشوارع، خربة، متهدمة البيوت، مشبعة بحكايات زمن بعيد، يريدوننا هياكل فارغة، أجساد نائمة، وعقول لا تفكر، وأقدام هائمة، هؤلاء الأعداء يعانون من اختلالات نفسية وروحية، فقد تخرجوا من مختبرات الأقبية السرية، تفككت أسرهم، وتشوهت أرواحهم، وقست نفوسهم بعد أن عاشوا الذل والهوان في بحر من العنف، والموت، والقمع، والكذب، وسايكولوجيا الهروب من واقع مر وبائس، وها هم يمارسون علينا الدسائس السياسية، ويتواطؤون، ويحاولون إشاعة الرعب تحت تأثير الكبسلة، والغدر الأخلاقي، والخيانية الروحية، يحاولون أن يزيلوا الغابات، ويصحرون الحقول، ويجففون الآبار، لا يريدون أن يسألهم أحد عن ذلك؟ ولا أن تناقشهم قناعاتهم؟ يريدون فقط أن يتصاعد غبارهم علينا بين فترة وأخرى إلى عنان السماء، يريدون أن يتغلغلون في البيوت، والشوارع، والشجر، والعيون، والآذان، والصدور، يتغلغلون إلى بطون الحوامل ليلدن أطفالا مشوهين، غبارهم يحمل الجراثيم، والسموم، والفايروسات، والأشعة المتأينة، والفوسفور المشع، أصبحوا هواء فاسد ليجعلوا رئاتنا مريضة، وصدرونا هشة، وقلوبنا عليلة، يحاولون أن يضربوا دون رحمة كل من يعترض طريقهم، وكأن المارة، في أعينهم، أشبه بقطط سائبة لا غضاضة في إبادتها، هؤلاء الأعداء عجيبو الهيئة، خلاسيون من البرازيل، شقر من جنوب أفريقيا، ملونون، من العرب العاربة، والمستعربة، من الهند، عتاة الوجوه ذوو صبغة انغلوساكسونية من ولايات أميركا، أفارقة، وأوربيون، وآسيويون، وأستراليون، وأميركيون، لا أحد يعرف ماذا يريدون منا؟، وما هي رواتبهم، ومن يدفع لهم، ولماذا هم مسلطون علينا، نظراتهم علينا باردة، تختزن غضبا غير مبرر، يكرهون شجرنا، وبيوتنا، وسياراتنا، وأطفالنا، ونساؤونا، ونخيلنا، وبيدنا، وبحارنا، يريدوننا أن نموت ونحن أحياء، هؤلاء الأعداء قراصنة آخر الزمان، مرتزقة الألفية الثالثة، يبيحون لأنفسهم عمل كل شيء ضدنا، استلموا رئاسات تحرير صحف، ومراكز إعلامية وإذاعات، وفضائيات، صاروا كتاباَ، ومحللين، وخبراء، تخصصوا بجمع الخطب الدينية والسياسية والاقتصادية على حد سواء، تخصصوا بكل شيء، حتى في البيع والشراء، وقبعوا في كل زاوية من زوايا الحياة، منظمات عدائية ظلمات بعضها فوق بعض، يستمدون أموالهم ووتهم من أياد خفية، ومنظمات عالمية لا احد يعرف كيف يصلون إليها، تدعمهم هيئات أجنبية، ومكاتب إعلامية، ودوائر في السفارات، وأحزاب ذات اتجاهات دينية وعلمانية يسارية ويمينية، وحركات ذات مصطلحات جديدة على الذائقة، يقيمون مؤتمراتهم ضدنا في فنادق فاخرة، وصالات باهرة، وإحتفالات كنوفرالية، يتكاثرون في حقول الحياة كما لو كانوا فطرا نما بعد ليلة ماطرة، صاروا محللين سياسيين، ومنظرين، وأصحاب رأي ومشورة، ملأوا القنوات الفضائية والإذاعات والصحف بزعيقهم، يخوضون في السياسة الدولية والإقليمية والوطنية، يفسرون تعابير الوجوه للقادة، يعضّدون هذا الحزب أو ذاك، يحاربون، يتهمون، يشككون، يفتون، ويعظّمون حسب الدفع بالعملة الصعبة، وحسب الوعود بالمناصب والتقرب والمنفعة والصفقة والفائدة، تتزاحم التواريخ في مفكراتهم عن مقابلات تلفزيونية، وندوات في فنادق فخمة، وسفرات إلى مؤتمرات خارجية، ومنتجعات يتوافر فيها كل شيء! مستخدمين التلاعب بالألفاظ، واللغة الزلقة التي لا تشير إلى شيء ملموس والكذب والخداع والتملص والاتكالية، لكن الذكي الحصيف يعرف بأن سنين هؤلاء سنين عجاف، وأن سنابلهم لا تلد السنابل، وأنهم مجرد خشب مسندة، لا يجيدون سوى حصد غلاتهم من الدولارات، نتيجة هبات الفضائيات والصحف لهم، التي جعلتهم منظرين في الطائفة، والمقاومة، والسياسة، والثقافة، والإعلام والمصالحة الوطنية، وبناء الدولة، والعروبة، وخبراء في السياسة الأميركية والإسرائيلية، والاتحاد الأوربي، ومجلس الأمن، والفيفا، والشاورما، والكفتة، والتبولة، منظرون بضاعتهم الكلام فقط، وليس الكلام الذي يبني الحياة، صاروا فهلويين بارعين في فهلوة جمع الدولارات والدنانير والليرات والتومانات، أما البشر البؤساء فلا يهمهم أن تمتلئ أفواههم بالتراب، أو أن يناموا في بيوت لا تسكنها حتى القطط والفئران، أو أن يعيشوا عارين، خائفن، مشردين ومتسولين، ولا أن لا تملك مدنهم شوارعاً نظيفة، وفنادق راقية، وأكشاشا لبيع الصحف، ولا مكتبة عمومية للقراءة والفائدة، ولا مخابز حديثة، ولا مطاعم عالمية، يريدون لهم الخرافة، والدجل، وخلخلت بنية البلدان، وقلبت موازينها، وهدر دماء أهلها، وأضاعت ثرواتهم، وإذلال مواطنيها، وتشريدهم إلى خارج الحدود، وها نحن ننظر ما خلفه تنظيرهم وفهلوتهم، فلا نجد سوى الخراب والدمار والشتات وموت الحياة، هم من تسبب بذلك، وهم من أحدث ذلك، وهم من شجع على ذلك، لن ستعرف الأجيال القادمة عندما تقرأ التاريخ بدقة وتمعن، بأن عاصفة الحزم قد غيرت التاريخ برواية بارعة، كتبها سلمان بن عبدالعزبز.