عبدالله باخشوين
الحديث عن إيران الحديثة يحتاج لكثير من التفاصيل.
هذه التفاصيل لا بد أن تكون مقرونة بالحديث عن دور صدام حسين في كثير من تحولاتها الديرماتكية.
ففي 26 مارس عام 1975 التقى في الجزائر كل من شاه إيران ونائب رئيس مجلس الثورة العراقي صدام حسين. لإعادة ترسيم الحدود العراقية الإيرانية عند نقطة (شط العرب).. وتحديد (العمق) الذي تنتهى عنده حدود كل بلد.
ومن المعروف أن الاحتلال البريطاني رسم نقطة الحدود في عام 1937 إلا أن الجانب الإيراني اعتبرها ظالمة واعتبر أن نقطة الحدود تعود (لترسيم) عام 1913 التي تمت بالاتفاق مع الدولة (العثمانية).. وهذه النقطة تشير إلى الوضع الذي يكون فيه شط العرب بأشد حالات انحداره وتطوى معظم منطقة الأحواز العربية داخل الجانب المحاذي لإيران لتكمل نفوذها على كامل منطقة الأحواز.. ولتحتل كل مسار مياه (شط العرب).
لكن بعد الثورة العراقية التي وصلت بحزب البعث للسلطة في العراق عام 1968. أعلن العراق في عام 1969 أن كل مياه شط العرب هي مياه عراقية ودعا لاستعادتها وهدد بالاستيلاء عليها بعد أن أعاد طرح فكرة الأحواز وعروبتها التاريخية ودعا لعودتها للعرب.
الأمر الذي أيده التيار القومي العربي بقيادة عبدالناصر الجريح.
عندئذ عمد الشاه لدعم التمرد الكردي الذي كان يقوده الملا مصطفى البرزاني.. ومده بالسلاح اللازم للتأثير على استقرار العراق. منذ ذلك التاريخ حتى عام 1975 والأمر في العراق غير مستقر.. إلى أن وجد نفسه مجبراً على إعادة النظر في أطروحاته ومواقفه تجاه إيران.. وسعى لإيجاد وساطة بين العراق وإيران.. تمت في الجزائر برعاية عربية أعاد خلالها العراق التوقيع على الاتفاق السابق الذي يكاد يتيح لإيران الهيمنة الشاملة على مياه شط العرب.. مقابل وقف الدعم للشمال الكردي.. الذي عاد وأسس معه دولة عراقية موحدة.. لكن هذا الاتفاق ظل بمثابة نقطة (عار) للعراق بكل دعواه القومية والعروبية. إلى أن قامت الثورة في إيران عام 1980 وسقطت دولة الشاه.
قبل كل هذا ومنذ عام 1965 كان الإمام الخميني يعيش في نجف العراق بعد طرده من الشاه.. إلا أنه اكتفى بإعطاء الدروس الدينية والفتاوى.. دون أن يتدخل في سياسة الدولة العراقية في ظل حزب البعث، كان مرشدًا دينيًا لطائفته التي عوملت كطائفة دينية لا توثر في السياسة التي سنها ويسنها حزب البعث. إلى أن بدأ نشاط الخميني يتحول إلى اتجاه تحريض عبر أشرطة (الكاسيت).. وأخذ يصدر لإيران أطروحات تحريضية ضد الشاه ويدعو للثورة عليه.
عندئذ وفي عام 1978 وبعد لقاء وزيري خارجية الشاه والعراق.. وبناء على (التذكير) باتفاق الصلح بين العراق وإيران.. تقرر إخراج الخميني من العراق وتمت محاصرة دار الخميني في النجف وأجبر على الخروج من العراق بعد زيارة قصيرة لزوجة الشاه للنجف.. وهي حادثة لم يتم نسيانها مطلقًا.. فبعد مغادرة الخميني العراق إلى باريس عاد إلى إيران متوجًا بعد أقل من عام.
وقبل أن يتجه (كشف حساباته) للعراق.. بادر صدام حسين.. لنقض اتفاقاته مع الشاه كحاكم سابق واستعاد الهيمنة على مياه شط العرب و(حرر) منطقة الأحواز.. وبدأت الحرب العراقية الإيرانية.
منذ ذلك التاريخ 22 سبتمبر 1980 خاض صدام حسين حربه ضد التيار الخميني الذي أصبح يحكم إيران. غير أن إيران تنبهت متأخرة جدًا إلى أن صدام حسين كان يحاربها بجنود غالبيتهم من الشيعة - وذلك حسب تركيبة الجيش العراقي الذي كان أغلب جنوده من الشيعة.
وأدركت أن الطائفة الشيعية في العراق تواجه تهديدًا إيرانيًا (شيعيًا). فعمدت لتجميد الصراع.
واتجه صدام حسين للكويت.
وهنا تبدأ المرحلة التي وصلنا إليها.. دون أن ندرك أن دور إيران يدور في الخفاء.. ومن يعتقد أن حروب الحكومات العراقية ضد ما أسموه (فلول البعث) هو موجه ضد حزب البعث البائس الذي لم يعد له أي وجود مؤثر.. هو موجه ضد الحزب.. فهو واهم بالتأكيد لأن الأمر يتجاوز هذا.. ففي حربه مع إيران أنبت صدام حسين لنفسه شجرة عائلة تعود بنسبه للإمام علي رضي الله عنه.
وللحديث بقية.