سعد بن عبدالقادر القويعي
تؤكد الرؤية الواقعية خطر التنظيمات الإرهابية على وحدة المجتمعات، والكيانات الوطنية، وأنها أدوات فعالة لنشر الفوضى الخلاقة في المنطقة، وذلك من خلال إثارة كل أنواع الاحتراب الطائفي، والمذهبي، والإثني. وفي غضون ذلك، فإن سعي داعش إلى تعزيز التأييد من بعض المغرر بهم داخل السعودية، ومحاولة إثارة الشغب، والقيام بعمليات إرهابية داخل المملكة من أجل زعزعة الأمن داخلياً، وكسب المزيد من الأنصار السعوديين، هو ما كشف عنه بيان وزارة الداخلية السعودية في بيان سابق بأن داعش: «يوجه أعضاءه الجدد بشن هجمات داخل السعودية، وأنه يسعى لحرب نفسية، وتعبئة بعمليات يائسة متفرقة». ودون البحث عن استثناء هنا وهناك، فقد تبنى تنظيم داعش الإرهابي عبر حسابات لعناصر على «تويتر» التفجير الانتحاري الذي استهدف مسجداً يدعى «الإمام علي بن أبى طالب» في مدينة القديح شرق السعودية.
داعش الفصيل الآخر لتنظيم القاعدة، والمدعوم حقيقة من جهات خارجية، هدفها توفير أرضية لتقسيم المنطقة، وخدمة أهدافها الاستراتيجية؛ فهو - إذن - نتاج مخطط رهيب، ذي أبعاد وغايات خطيرة، حتى وإن حمل في طياته شعار الخلافة بجاذبيته، وزعمهم الكاذب بالدعوة إلى توحيد بلاد المسلمين، بما يؤدي إلى استقلالهم، وتماسكهم، وقوتهم. وللوصول إلى هذه الغاية يجري تضخيم حجم التهديد؛ ما يضمن إثارة المزيد من المخاوف في المنطقة، وإلا فإن داعش اليوم هو نسخة طبق الأصل من قاعدة أسامة بن لادن قبل خمسة عشر عاماً.
يرى محللون سياسيون أن داعش تم تضخيمه، وهذا ما تستفيده دول أخرى من وجود جماعات متطرفة في المنطقة. ووفقاً لتشارلز ليستر من مركز «بروكينغز» للأبحاث، فإن مقاتلي داعش «في سوريا يقدرون بنحو ستة إلى سبعة آلاف مقاتل، وفي العراق بين خمسة وستة آلاف من جنسيات مختلفة»؛ وبالتالي فإن التناقضات تبدو عميقة بين من يضخم دور هذه العصابات المسلحة ومَن يعتبرها مجرد ظواهر عابرة، تُخفي وراءها صراعات داخلية، وجيواستراتيجية، أكثر تعقيداً تتجاوز أجندات من صنعها، وعمل على توظيفها. وهذا ما يثبته هيغل في ندوة أقامها بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بأن «الخيط المشترك في نسيج الشرق الأوسط هو أن الحلول الفعالة الأكثر ديمومة، التي تواجه المنطقة، سياسية، وليست عسكرية». معتبراً أن «الدور الأمريكي يكمن في التأثير على الأحداث، وتشكيل مسارها من خلال استخدام الأدوات الدبلوماسية، الاقتصادية والأمنية». كما يبيّن المحلل السياسي كريستوف ليمان في تقرير له بخصوص مستقبل الشرق الأوسط أن «كتائب الدولة الإسلامية داعش استخدمت من أجل تفتيت وحدة العراق، وتوسيع الصراع السوري إلى حرب شرق أوسطية أشمل».
في الفضاء السياسي، فإن فهم حال استقراء الاستراتيجيات، التي انتهجتها بعض الأطراف الإقليمية، تؤكد أن النظام السوري وحليفه الإيراني هما من يقومان بتمويل داعش بطريقة مزدوجة، وتمهيد الطرق أمامها من أجل الوصول إلى مناطق الجيش الحر في سوريا، وإبعادهم من العراق. ومثلهما كذلك أمريكا التي أشغلت المنطقة بصراعات ضد عدو وهمي، وبناء استراتيجيتها على تأزيم الأوضاع الأمنية، هدفها إعادة تفكيك المنطقة، ورسم خرائط جديدة لها تتناسب وطبيعة مصالحها في المنطقة.
ما سبق تقاطعات لا تحتاج إلى مزيد من تفسير نظرية المؤامرة، كما أنها لا تنفي الأسباب الموضوعية القائمة لظهور الأفكار المتطرفة من بيننا، ولجوئها إلى العنف في كثير من الدول العربية، بعد أن كفّروا الحاكم، وخرجوا على طاعته، ونابذوه بالقوة، وآمنوا بالعنف والقوة في عملية التغيير، وسعوا بطريقة متشددة إلى فرض أفكارهم على مجتمعاتهم الإسلامية، ووفروا العقوبات والحدود على من خالف آراءهم وتوجهاتهم؛ ما أدخلهم في صدام مع أنظمتهم الحاكمة، واحتجاجهم على مجتمعاتهم بحجة محاولة تطبيق الشريعة الإسلامية، مع أننا قادرون على إنتاج الهزيمة الفكرية والسياسية لتلك لتنظيمات الإرهابية، وما انبثق منها من سلوك دموي، جاء في السياق الراهن، وليس خارجاً عنه، وذلك من خلال انتهاج مواجهة شاملة على المستويات كافة، تؤدي إلى انحسار العنف، والسماح بنمو الاعتدال لصالح أفكار المجتمع المتقدم.