سعد بن عبدالقادر القويعي
تحاول إيران رسم الجغرافيا بحدودها - المكانية والسكانية -؛ ما يشكل تهديدًا خطيرًا في تشكيل خريطة مستقبل العراق، باعتبار أن محاولة ضم مدينة النخيب إلى محافظة كربلاء؛ بحجة التصدي لتنظيم داعش، ومنعه من تهديد الأماكن المقدسة الشيعية - زعموا -، تكذبه الحقائق التي تؤكد على أن الهدف الرئيس من هكذا خطوة، هو في حقيقة الأمر؛ من أجل امتداد الحدود الإدارية لكربلاء نحو السعودية، والعمل على عزل الأنبار، وباقي المحافظات السنية عن هذه الحدود الإستراتيجية المهمة، -إضافة- إلى أن تصل إيران من خلال أحزابها المتنفذة في العراق، التي تدين لها بالولاء المطلق إلى الحدود السعودية، والأردنية، -وكذلك- للاستيلاء على الثروات الكامنة في هذه المنطقة.
فالسعي -في نهاية الأمر- إلى تقليل مساحة محافظة الأنبار، هو هدف إستراتيجي إيراني، يراد له تحجيم الجغرافيا السنية، وتقليم أجنحة المد السني.
من الناحية التاريخية، فبموجب المرسوم الجمهوري ذي الرقم 596 في 6 - 10 - 1960 م، ترتبط مدينة النخيب بقضاء الرطبة، وتشغل حدودها الإدارية مساحة مقدارها 52858 كم2، وبعدد سكان تجاوز 4000 نسمة لعام 1965 م، وحوالي 5942 نسمة لعام 1977 م، - ومنذ عام 1960 م - والنخيب ناحية تابعة إلى قضاء الرطبة في محافظة الأنبار لغاية 1978م، ثم أصبحت تابعة لمحافظة كربلاء لمدة أربعة عشر شهرًا -فقط-، بعد الأزمة التي حدثت بين وجهاء عشائر النخيب، وحكومة الرئيس العراقي أحمد حسن البكر، إِذ كان الغرض منها: معالجة إدارية مؤقتة، وقد انتهت في حينها، ثم أعيدت عام 1979 م إلى محافظة الأنبار بموجب المرسوم الجمهوري ذي الرقم 408 لسنة 1979 م، وتكون تابعة إلى قضاء الرطبة.
إلا أن الصفويين اليوم يستندون إلى المادة 140 من الدستور، التي وضعها الشيعة خصيصًا في الدستور العراقي؛ حتى يمكنهم من اقتطاع الأجزاء التي يريدونها من المحافظات العراقية، وضمها إلى المناطق الشيعية؛ وفقًا لأهدافهم المرحلية.
مع أن الوقائع التاريخية، والإدارية -منذ خمسينيات القرن الماضي-، تثبت عائدية النخيب لمحافظة الأنبار، وهي غير خاضعة للمادة 140؛ لأنها منطقة غير متنازع عليها.
في الواقع، فإن المعلومات التي حصل عليها مركز الروابط للبحوث، والدراسات الإستراتيجية، تؤكد على أن تكليف قيادة عمليات الفرات الأوسط، بمسؤولية تأمين ناحية النخيب عسكريًا، يعد مؤشرًا للتهديد باللجوء إلى العمل العسكري من قبل إيران، وأذرعها في المنطقة، ومن الممكن أن يدفع الميليشيات الشيعية نحو المزيد من الجرأة؛ لتبني مواقف أكثر عدائية حيال السعودية، والأردن، وربما ينشط وكلاء إيران بشكل أكبر ضد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط في لحظة معينة.
وخلال السنوات الماضية، حاول الساسة الشيعة إحكام قبضتهم على ناحية النخيب، من خلال التأكيد على عائديتها التاريخية لمحافظة كربلاء، واقتطاعها لتلحق بمحافظة الأنبار، بينما يرفض الساسة السنة هذا الأمر، داعين إلى التصدي لهذه المحاولات، التي يراد منها: ترسيخ النفوذ الإيراني في المناطق، التي يتجاور فيها مع العراق دول عربية أخرى.
وبعبارة أوضح، فإن ضم ناحية النخيب إلى محافظة كربلاء، ينطلق من مقاربة إستراتيجية تقوم على العقاب، والإكراه، تنفذها الأذرع الإيرانية في المنطقة، وبموجب هذه الإستراتيجية تستطيع الميليشيات أن تتصدى عسكريًا بالنيابة عن طهران، ويمكن أن تتصاعد هذه الإجراءات بسرعة؛ لتصل إلى حد قيام مواجهة عسكرية أوسع مع بعض دول الخليج العربي.
إن الحديث عن اقتطاع مدينة النخيب، لا يمكن اقتطاعه عن سياق الأحداث الجارية في العراق، وسوريا، واليمن.
وهي تأتي ضمن إستراتيجية إيرانية بعيدة المدى؛ لنشر ميليشياتها الموالية لها في العراق، كميليشيات فيلق بدر، وعصائب أهل الحق، وسرايا السلام؛ -فضلاً- عن آلاف المتطوعين من الشيعة، وذلك على الحدود الأردنية، والسعودية؛ تعزيزا لنفوذ إيران الإقليمي، ولا بأس -عندئذ- بتقديم تنظيم داعش عذرًا لهذا الأمر -لا سيما- بعد أن استشعرت إيران بالخطر المحدق، الذي يهدد حليفها الإستراتيجي في المنطقة بشار الأسد، -خصوصًا- بعد التطورات الميدانية الأخيرة، التي حققتها المعارضة السورية على أرض الميدان.