مساعد بن سعيد آل بخات
يُعد الضبط الاجتماعي من أهم مقومات المجتمعات البشرية، فلا يوجد أي تنظيم اجتماعي دون ضوابط للسلوك الإنساني التي تحدد له الأدوار الاجتماعية, والأوامر والنواهي, والمسموح والممنوع ضمن تصرفات سلوكية، أو معتقدات دينية، أو قوانين, أو عادات وتقاليد، أو قيم اجتماعية.
قد يتساءل البعض ما هو الضبط الاجتماعي؟
يقصد بالضبط الاجتماعي: هو سيطرة اجتماعية مقصودة تهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار لجميع أفراد المجتمع.
ولا يخفى على الجميع بأن الطلاب يمثلون أكبر مدخل في العملية التعليمية, وما جعلت المدارس إلا لهم, فهم أجيال المستقبل, وهم محور اهتمام المعلمين من حيث تنشئتهم على القيم الإسلامية وتعليمهم ما ينفعهم وتوجيه النصح لهم وتعديل سلوكياتهم نحو الأفضل. فحريٌ بنا أن نهتم بما يفيدهم ويصلح حالهم, ومن ذلك الأمر تأثر الطلاب بمعلميهم سواء على النحو الإيجابي فيكونون منضبطين اجتماعياً, أو على النحو السلبي فيكونون منحرفين ومجرمين.
والمتتبع لأوضاع التعليم في دول العالم بوجه عام وفي المملكة العربية السعودية بوجه خاص يجد بأن هناك حاجة ماسة لوجود معلم يمتلك صفات (القدوة الحسنة) لطلابه.
لماذا؟
تشير نظرية التعلم في السلوك الأخلاقي «بأن الطالب يتعلم السلوك الأخلاقي كأي خبرة تعليمية أخرى». لذلك فالمعلم يحقق الضبط الاجتماعي لطلابه بطرق عدة ومنها:
أولاً/ الضبط الإيجابي: من خلال ممارسة المعلم لمجموعة من الطرق الإيجابية والتي تقود الطلاب وتشجعهم على التمسك بالمعايير والقيم المقبولة اجتماعياً, مثل (الثناء والجائزة).
ثانياً/ الضبط السلبي: من خلال إيقاع المعلم بمجموعة من الطرق السلبية على الطلاب الذين يخرجون على القيم والمعايير المقبولة اجتماعياً, مثل (التهديد والعقوبة).
ثالثاً/ القدوة: من خلال تمسك المعلم بالقيم الإسلامية قولاً وفعلاً فيصبح في أعين الطلاب نموذجاً يقتدى به.
والغريب في الأمر.. بأنك قد تجد بعض الناس يستهينون بمسألة تأثير القدوة على الآخرين, لكن عندما نتأمل قليلاً في معلمنا وخير قدوة لنا محمد صلى الله عليه وسلم سنعي جيداً كيف استطاع أن يؤثر في مليارات البشر لدعوتهم من الضلال إلى الهداية, ومن الخوف إلى الأمن والاستقرار, قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
يقول ابن خلدون في تأثير القدوة على الطلاب: (يتأثر الطالب بالتقليد والمحاكاة والمثل العليا التي يراها أكثر مما يتأثر بالنصح والإرشاد).
وقد كتب عمرو بن عتبة إلى أحد معلمي ابنه: (ليكن إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك, فإن عيونهم معقودة بك, فالحسن عندهم ما صنعت, والقبيح عندهم ما تركت).
لذا.. فالمعلم ينبغي أن يكون.. قدوة حسنة لطلابه, ومثلاً أعلى يحذو الطلاب حذوه, ويفعل كل ما هو حسن لطلابه, ويتجنب كل ما هو قبيح مع طلابه, ويبادل طلابه بكل احترام وحب, ويشعر طلابه باستمتاعه للسماع لهم والنقاش معهم.
كل ذلك لأننا نريد أن يعمل (المعلم القدوة) على تأثر الطلاب بالضبط الداخلي والذي يعتمد على (الدين والقيم والأخلاقي والعادات والتقاليد) أكثر من تأثرهم بالضبط الخارجي والذي يعتمد على (القوانين والأنظمة واللوائح).
بمعنى أننا لا نريد من الطالب أن يمتنع عن فعل السوء لخوفه من النظام فقط, بل نريد منه أن يمتنع عن فعل السوء لوجود رادع ديني قوي وقيم أخلاقية. كما أننا لا نريد من الطلاب أن يتميزوا في الضبط المدرسي فقط!! بل نريد منهم أن يتحول هذا الضبط المدرسي داخل المدرسة إلى ضبط اجتماعي خارج المدرسة. فما يطبقونه من سلوكيات صحيحة داخل أسوار المدرسة نريدها أن تكون هي السلوكيات ذاتها خارج أسوار المدرسة, فتكون شخصية الطالب ثابتة ومستقرة على اختلاف المجتمعات التي قد يُوجد بها.
حكمة.. يذكر الأستاذ دكتور فهد السلطان (أستاذ التربية والضبط الاجتماعي في جامعة الملك سعود) بأنه: «كلما زادت نسبة الضبط الاجتماعي في المجتمع قلت نسبة الانحراف والجريمة, والعكس صحيح».