عبدالحفيظ الشمري
كيف نكتب عن الوطن؟.. سؤال مهم.. وثمة سؤال حيوي آخر.. هل الكتابة عنه عمل عاطفي أم تراها رؤية عقلية.. أم بهما معاً؟.. وقد تنثال في هذا السياق أسئلة أخرى كثيرة ومنوعة. أي أنك وحينما تجيب عن واحد منها لا شك أنها ستتداعى إليك الكثير منها؛ راسمة مشاهد الوطن العزيز علينا جميعاً، فرغم انثيال هذه السيرة وتداعيها، إلا أنك تحتار من أين تبدأ،؟ ومتى تكتب فيها؟ لكنك مجبر في مشهد كهذا على أن تتناول الأمر بشيء من الاقتضاب.
أما عن كُنْهِ الكتابة عن الوطن.. هل هي من قبيل العمل العاطفي أو العقلي؟ فإن الأمر من حيث المبدأ لا يخلو منهما معاً، لأن العاطفة الوطنية حالة معنوية يدخل فيها تمثل الخطاب الوجداني، والغوص في أعماق كل ما هو معنوي في حياتنا وتفاصيل مجتمعنا، على نحو تمثلات الحكاية الشعبية، والقصص، والألغاز، والأغاني الفلكلورية والطرف والمنقولات التراثية في حالاتها الشفاهية.
أما ما هو مادي ومحسوس فإن حب الوطن يتجسد في كل الشواهد التراثية المترامية على أرض الوطن من عمقه وشماله وجنوبه وشرقه وغربه، على نحو تلك القرى التراثية، والحضارات الإنسانية المترامية في أرجاء الوطن.. تلك التي ورثناها عن أجيال سابقة بما تحمله من منظومات جمالية؛ جديرة بالكتابة عنها، ليس من قبيل ما هو عاطفي وحسب، إنما هي رؤية تسهم في بناء المستقبل من خلال التباهي بالوطن ومنجزاته، وبما فيه من تطور ورقي، وما يمثله من امتداد في جذور التاريخ والحياة التراثية المتميزة في حضورها وشموخها.
فحينما نكتب عن كل متعلقات الوطن وإنجازاته وامتدادات تاريخه وتكوينات بقائه وجذوره ومحيطه فإننا سنكتب بحب نستجمع فيه العاطفة والعقل معاً، مع ما سواها من رؤى تصب في نهر العطاء الذي سنخلده للأجيال القادمة.. لنشير بوعي إلى أن الجميع أسهم في بناء الوطن الغالي الجميل، وما تجربة التحول من مرحلة البساطة والعفوية، والخيام وبيوت الطين والحجارة، والتنقل بواسطة الدواب إلى نهضة كبيرة ومذهلة تحولت فيها بلادنا -ولله الحمد- إلى حالة حضارية مذهلة.. وما تجربة شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو) إلا مثال واضح للتحول النوعي من بيئة وحياة بسيطة إلى عالم متطور مذهل في البناء.. فكم نحن بحاجة للكتابة عن الوطن من خلال هذه التحولات الإيجابية التي مرت بها الأجيال، وأسهم في «العامل السعودي» في بناء منظومات استخراج النفط وتصديره، وهي بحق تجربة فريدة تستحق التدوين والإبداع الكتابي فيها.
إلا أنه من المهم أن يتم ترشيد استخدام ما يمكن أن نقول عنه اصطلاحاً: «العاطفة».. فقد لا يفيد المتلقي هذا النوع من التباهي بالوطن ولاسيما حينما يتحول الأمر إلى مجرد تلميع للذات، وتكريس للشخصيات، وتنميط الكتابة عنها بشيء من التفاخر والتباهي المبالغ فيه، وترديد المقولات دون فائدة تذكر، أما وان كان الأمر عقليا ومنتهجا أسلوب التناول العقلي لمنجزات الوطن وبنائه فإن الأمر سيكون متميزاً.. فلعلنا ندرك معاني الوطنية وأهدافها.. وألا تكون من قبيل الترديد وحسب لبعض العبارات التي يتم تداولها على نحو: (الوطن خط أحمر) والتي تبدو طريفة.. لأن هناك من ينقل هذه العبارة دون أن يدرك معناها الحقيقي والمجازي، وعزاؤنا أنه قد يشعر أنها من قبيل حب الوطن.