عبدالحفيظ الشمري
تحديات الزمن المعاصر كبيرة وإخفاقات البشر فيه متنوعة؛ فلم يعد الكثير منا في مستوى هذه التحديات.. إلا أنه يمكن لنا أن نحجم هذه الإخفاقات، ونتغلب عليها؛ لكي لا تؤثر في منظومات العمل الإنساني لدينا، ولكي لا تختل موازين الرؤية الإيجابية للأشياء؛ لأننا ولكثرة التجارب وازدحامها أصبحنا نزهد بالأشياء حتى وإن كانت جميلة؛ لنحولها مع الوقت إلى مجرد محاولات وحسب.. فلعلنا نمسك بما هو قديم وجميل حتى وإن كان بسيطاً..
إلا أن ما يلاحظ هذه الأيام أن الماضي ولكثرة ما نقارنه بحياتنا المعاصرة لم يعد مريحاً، كما أن المستقبل بات مثيراً للأسئلة.. أتراه من مصنفات المجهول، أو الواعد أو الآتي الغامض أو ما إلى ذلك؟! بل إن هناك حقيقة لا تزال قائمة أننا درجنا أو ألفنا أن ننظر للماضي على أنه جميل، لكننا لا نلبث إلا ونتمثله صعباً وقاسياً، وكله أيام شقاء، إلا أن المثير في ذلك أن هناك من يَتَوجَّدُ عليها!! مما يعزز رؤية أن الأمر لا يخلو من خيال وعاطفة تسوق الرؤية، وترسم ملامح هذه العلاقة.
إذاً، لا بد لنا أن نتفاعل مع واقعنا، ونعزز من مكانته، وذلك من خلال التفاؤل بمستقبلنا القريب والبعيد، وألا نجلد واقعنا، ولا نغرق في الثناء على الماضي؛ لكي لا نكون في حالة فصام مزمن بين أيقونات حياتنا ومراحل تكويننا.
فالمشروع الذهني لتعزيز الإيجابيات نجزم أنه مبني على الكثير من العناصر المحفزة لبناء العلاقة الإنسانية مع منجزاتنا الحياتية، وربما يأتي أهمها العنصر المعنوي؛ لتندرج تحته الكثير من الصور والمفاهيم نحو كل ما هو تراث معنوي جمالي، كالقصص والحكايات والشعر والألغاز والغناء، وما إلى ذلك من الأمور المعنوية التي تستميل الذائقة.
أما العنصر المادي الذي يعزز القدرات والطاقات فإنه يتمثل في كل مساحات التراث والمدن القديمة والأحياء العابقة بذكريات الناس، فمن المهم تعزيز مثل هذه الإيجابيات المادية، والتطلع إليها بشكل جمالي، مع غرسها كمفاهيم جمالية في ذاكرة وذائقة الأجيال الجديدة على نحو التراث في مناطق بلادنا، كنجران وجازان والإحساء وحائل والمدائن ومناطق أخرى تزخر بالماضي التراثي المذهل الذي يتطلب منا تعميق الشعور به كمنجز إنساني فائق الجمال.
ومن أبرز أمثلة الإيجابيات تعزيز القيم الخالدة في الوجدان، وتعظيم الأماكن المشرفة والمقدسة لدينا على نحو مكانة الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتناول حياة من كان فيها وحولها؛ لتكون لنا شعلة من الضياء الذي نقتبس منها البهاء والجمال الروحي.
ومن أمثلة تعزيز الإيجابيات أيضاً النظر إلى منجزات السابقين من أهلنا على أرضنا، وما تركوه من إرث ثقافي وتراث جمالي ومشغولات في الكثير من المناطق التي ورثناها عنهم.. فتنوعها وتعددها يعد ثراء لتجربتنا الثقافية والتراثية التي نفاخر فيها بلا شك، ونقدمها للأجيال الواعدة بكل بهاء وروعة.
فإن لم نعزز الإيجابيات في حياتنا الاجتماعية فإننا سنتحول مع الزمن إلى مجرد (نُقَّادٍ)، لا يحسنون سوى جلد الذات، والتَّفَيْهُقِ بأننا بلا ثقافة وبلا علوم أو معارف، وهؤلاء غير منصفين أو محقين فيما ذهبوا إليه؛ لأن تاريخنا مليء بالشواهد والإنجازات المذهلة.
فجيل اليوم، ولاسيما الأطفال، بحاجة إلى مشروع ثقافي وتراثي جديد؛ يواكب روح العصر ومنجزاته؛ ليعزز في هذا السياق وجود هذه الجماليات والإيجابيات؛ لكي لا نتركهم يواجهون المستقبل بلا أي معانٍ أو قيم تعزز إيجابيات حياتنا.