عبدالحفيظ الشمري
«الاستراتيجيات» أو الخطط في الأعمال الفنية والإدارية المعاصرة؛ هل هي ترف حضاري أم ضرورة تنظيمية؟.. هذا السؤال لا يزال يرتسم مع أي مشروع يمكن له أن ينطلق في مجال التنمية، والبناء، وإدارة المشاريع؛ سواء كانت كبيرة أو صغيرة.
ورغم أن «الإستراتيجية» عرفت بأنها علم أو فن التخطيط في المجال العسكري؛ إلا أنها بدأت حديثاً تستخدم خارج هذا المنظور، فتم توظيفها في الكثير من الأنشطة والأعمال التي يراد لها أن تتميز وتنجح وتحقق أهدافها ولاسيما قبل قيام أي مشروع، من أجل أن يَطَّلِع الجميع على احتمالات وتحولات وجدوى مثل هذه المشاريع في مجالات متعددة.
وما يؤكد دور هذه «الاستراتيجيات» أنه وجد لها بعض النماذج في العصور السابقة، ولاسيما في زمن الحروب القديمة؛ حينما قام بعض المخططين بتقديم النصائح بعمل الحصون والقلاع وقصبات المراقبة التي تعد حالة وقائية في زمن السلم والهدوء، ومواقع دفاعية في أوقات الحروب العصيبة.
أما وان توسعت خصوصية هذه «الاستراتيجيات» في الزمن الحديث، وأضحت مطلبا نوعيا مهما، يعزز القدرات الحضارية، ويزيد من فاعلية التخطيط المستقبلي، والتطلع إلى البناء المرحلي؛ فمن المهم أن تكون مرتكزات هذه «الاستراتيجيات» والخطط محققة لأهدافها الإنسانية، وأن تكون عامل بناء لمنجزات التنمية، وخدمة المجتمع، وتطوير الأعمال، وألا تكون من قبيل الترف الحضاري، أو مجرد مزيد من التنظير.
ففي ظل التحول المعرفي العصري، وتنامي مفاهيم النهوض الجديد في الخدمات يسعى الكثير من المتخصصين إلى تطوير مثل هذه «الاستراتيجيات» وجعلها متواكبة مع المعطيات والمنجزات الحضارية، فبات من المهم أن تستبدل هذه الخطط التقليدية بما هو جديد ومفيد، ليحل مكان ما سبق.. فهناك من يزعم ـ والزعم هنا ليس كذباً ـ أنه في ظل التحول النوعي في الحياة المعاصرة نحتاج كمجتمعات إلى استراتيجيات جديدة، وخطط فنية جذرية تؤسس لمستقبل التنمية، وبناء الحضارة الجديدة، فلسنا بحاجة إلى إعادة إنتاج الأفكار القديمة، والحلول السابقة، أو ترميمها أو (ترقيعها) إنما البحث عما هو جيد في هذه المجالات.
ومن المهم والمفيد ألا يكون هناك هوس كبير بمثل هذه الخطط والاستراتيجيات، على نحو المبالغة في طلبها، وادعاء بعض المكلفين بأعمال إدارية في بعض القطاعات الخدمية التي قد لا تحتاج إلى مثل هذه «الاستراتيجيات»، إنما المطلوب عوضاً عن ذلك عمل إداري ناجح، ونفوس أمينة وأيادٍ نظيفة، لأن هناك للأسف من يستغلها لسلب مخصصات مالية ضرورية لتلك الجهات بحجة أو زعم أنهم يقومون بعمل مثل هذه «الاستراتيجيات» والخطط، والأمثلة كثيرة في هذا المجال.
ورغم أن أهداف وأبعاد «الاستراتيجيات» من حيث الشكل أو الإطار العام يعد حالة وعي، وخطوة للبناء السليم إلا أن هناك خطرا ما، يتهددها، ويعيق مسيرتها وهو أمر «البيروقراطية» التي تنشط وتترعرع في عالمنا العربي، فمع وجود هذه «البيروقراطية» لا يمكن أن تحقق «الاستراتيجيات» أبعادها الحيوية حتى وإن ظهرت ـ كما أسلفنا ـ على هيئة شعار وحسب، دون مضمون مفيد، فمن المجدي ألا نغالي في طلب مثل هذه الخطط والاستراتيجيات.