جاسر عبدالعزيز الجاسر
العلاقات السعودية الأمريكية ليست وليدة الساعة، بل تجاوزت السبعين عاماً، وشهدت هذه العلاقات نمواً ورسوخاً منذ لقاء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود والرئيس الأمريكي روزفلت، ومن يومها عقد كل رؤساء الولايات المتحدة وملوك المملكة السبعة ورؤساء أمريكا لقاءات عدة، وشهدت الرياض وواشنطن عقد قمم عديدة، انعكست نتائجها على علاقات البلدين، إضافة إلى استفادة الأمريكيين من هذه العلاقة وبالذات ضمان الحصول على تدفق آمن ومستمر وبسعر معقول للطاقة، وهو ما كانت أمريكا بأمس الحاجة إليه، فالنفط كان ولا يزال المصدر الأساس لتحريك نمو صناعي يحافظ على القوة الاقتصادية لأي بلد.
ونحن في المملكة استفدنا كثيراً من هذه العلاقة، فقد تم استثمار عائدات النفط بصورة حكيمة حولت البلاد إلى دولة حديثة متقدمة تُعَدُّ واحدة من أفضل عشرين دولة متقدمة، وكثير من المراكز والمعاهد العلمية المتخصصة تضعها ضمن أفضل عشر دول، اقتصاد متين، وبنية وقاعدة أساسية مبنية على الاهتمام بالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، محصنة بقوة دفاعية من خلال قوات حديثة تمتلك أحدث المعدات العسكرية، من طيران حربي وبوارج بحرية ومعدات برية متطورة معززة بأجهزة وقوات أمنية متميزة. توظيف جيد وحكيم لموارد البلد، واستثمار متوازن للعلاقات الدولية والصداقة مع من يستحق أن تثق به.
وقد مهدت العلاقات السعودية الأمريكية المتميزة والتي ترتقي إلى مستوى التحالف الإستراتيجي والشراكة الاقتصادية إلى بناء علاقة متوازية مع دول الخليج العربية، فالمعروف أن دول الخليج كانت ولا تزال تربطها بالمملكة المتحدة (بريطانيا) علاقات تاريخية وتقليدية، فلبريطانيا وجود عسكري استمر حتى بداية السبعينات من القرن الماضي، وظلت العلاقات الخليجية البريطانية على قوتها ومتانتها متماسكة حتى يومنا هذا، إلا أن تنامي القوة الأمريكية وتعاظم النفوذ الأمريكي في العالم أجمع جعل دول الخليج العربية مثل غيرها من الكتل الدولية الإقليمية ترفع من مستوى علاقاتها وتعاملاتها مع أمريكا إلى مستوى إستراتيجي عال، متوافقة مع مستوى تعامل المملكة العربية السعودية، مما جعل تفاهم إقليم دول الخليج العربية مع أمريكا دائرة واحدة، منصهراً في بوتقة إستراتيجية.
صحيح أن هناك تبايناً في مستوى التعاون العسكري، فهناك دول تستضيف قواعد عسكرية أمريكية كدولة قطر، ودول توجد على أراضيها قوات أمريكية كدولة الكويت، ودول يوجد في مياهها قواعد بحرية كمملكة البحرين التي يوجد في مياهها الأسطول الأمريكي الخامس، فيما يوجد مدربون وخبراء عسكريون أمريكيون في المملكة، ولا يُعرف مستوى التعاون الأمريكي والإماراتي، وكذلك بين أمريكا وسلطنة عمان.
إذن هناك تعاون عسكري يرتقي إلى تحالف إستراتيجي، وهو ما سهَّل صياغة منظومة إستراتيجية في إقليم الخليج يجعلها كقوة عسكرية دفاعية نوعية، وهو ما تحقق في قمة كامب ديفيد التي أوضحت بلا مواربة وبلا شكوك هذا المنحى، إذ أكد الرئيس أوباما أن أمريكا ستستخدم القوة العسكرية للدفاع عن شركائها في دول الخليج، والتعهد بتسريع نقل الأسلحة إلى دول الخليج، أيضاً إعلان أوباما بتعهد واشنطن ببناء قدرات صاروخية في المنطقة، وتعزيز القدرات الدفاعية في دول الخليج العربية بإنذار مبكر.
جملة من الإجراءات والترتيبات تعزز العلاقات الإستراتيجية بين دول الخليج العربية والولايات المتحدة، مما يشير إلى أن قمة كامب ديفيد قد أزالت - وإلى حد كبير - سوء الفهم الذي شاب هذه العلاقات التي يرى كثير من المتابعين بأنها ستزداد قوة ومتانة، خاصة بعد الاتفاق على عقد قمم دورية بين أمريكا ومنظومة مجلس التعاون، وستكون البداية عقد القمة القادمة في الرياض، وهذا ما يرفع مستوى التفاهم بين واشنطن وعواصم الخليج العربية إلى مستوى التحالف الإستراتيجي الذي يوسم علاقات أمريكا بالكثير من المنظمات والتجمعات الإقليمية.