جاسر عبدالعزيز الجاسر
ينظر كثير من الباحثين والمتابعين وبخاصة المهتمون بشئون المنطقة العربية (إقليم الخليج العربي) إلى مباحثات قمة كامب ديفيد بين القيادة الأمريكية وقادة دول الخليج العربية، إذ إن هذه القمة تحمل الكثير من الأولويات والاستثناءات، فهي بالإضافة إلى حرص الإدارة الأمريكية على جمع قادة دول الخليج العربية أو من يمثلهم من قيادات الصف الثاني المشاركين في صنع وصياغة وتنفيذ القرار السياسي.
كما أن انعقاد هذه القمة التي أضافت إلى تميزها تميزاً آخر هو ما تشهده المنطقة العربية في أحداث تنبئ بمتغيرات هامة ومؤثرة، ولذلك فإن الإدارة الأمريكية وبالذات الرئيس أوباما كان حريصاً على التباحث مع القيادات الخليجية.. وقد مهد لهذه الاجتماعات بسلسلة من الاتصالات والمباحثات المباشرة؛ فبالإضافة إلى مباحثاته الهاتفية مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، التقى ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد.. وأجرى اتصالات هاتفية مع قيادات خليجية أخرى؛ إضافة إلى النشاط والاجتماعات المكثفة التي أنجزها وزير الخارجية الأمريكي السيد جون كيري الذي وصل الرياض والتقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ثم اجتمع بنظرائه وزراء خارجية دول مجلس التعاون في باريس.. وبعدها توجه إلى موسكو وأجرى مباحثات مع الرئيس الروسي بوتين مع نظيره لافروف.
وحرص الرئيس أوباما على أن يسبق مباحثات قمة كامب ديفيد لقاء ثنائي مع ولي العهد وولي ولي العهد في المملكة، إضافة إلى مباحثات سمو ولي ولي العهد وزير الدفاع مع نظيره الأمريكي، وسلسلة اللقاءات والمباحثات التي أجراها سمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف مع الوزراء والمسؤولين عن الأمن والاستخبارات والمعلومات والتحقيقات.
إذن كلُّ ما سبق قمة كامب ديفيد يؤكد بأنها قمة ليست عادية، فالدول الخليجية التي تعمل على تحصين وتقوية أمنها الخارجي والداخلي ومواجهة التدخلات في شئونها الداخلية وإحباط المخططات والمؤامرات التي لا تستهدف فقط أمن واستقرار دول المنطقة، بل تعدى ذلك إلى محاولات إلغاء هويتها العربية ونقاء ديانتها الإسلامية، فعملت على بسط نفوذها ووظفت الفتن الطائفية للسيطرة على العديد من الدول العربية الهامة، والتي تتماس حدودها مع حدود دول الخليج العربي مما جعل المخاطر الأمنية وحتى الوجودية تهدد دول الخليج العربية.. وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربية ترتبط بتحالف إستراتيجي وشراكة امتدت طوال ستة عقود من السنين، وهو تحالف يستند على اتفاق متعارف عليه ومبني على ما عرف بمبدأ آيزنهاور.. وهو مبدأ يتعهد الأمريكيون فيه بالدفاع عن أمن دول الخليج العربية والدفاع عن حدودها وسيادتها، ومع أن هذا التعهد تعهد لظفي، إلا أن الأمريكيين أوفوا به في كثيرٍ من الأحداث، وآخرها الإسهام وبقوة في عملية تحرير الكويت.. لكن هذا التعهد بدأ يضعف بعد وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض الذي ينتهج فلسفة وسياسة تختلفان عمن سبقوه من رؤساء أمريكا، بحجة عدم توسع أمريكا في المشاركة بالحروب والمعارك خارج أمريكا.. وهذا ما أثار قلق حلفاء أمريكا وشركائها، ومنهم الخليجيون الذين يريدون -على الأقل- تجديداً لمبدأ آيزنهاور، بتعهد يتضمن وثيقة على شكل بيانٍ أو تأكيدٍ من صيف قمة كامب ديفيد.. وهو ما حصل في خلال التجديد للتعهدات الأمريكية بتعزيز الشراكة الإستراتيجية والتأكيد على الدفاع عن أمن دول الخليج حتى بما في ذلك المشاركة العسكرية.