علي الخزيم
مضت أجيال كانت ترى أن ضحك الصغار والفتيان بحضرة الكبار عيب ونقيصة، وأن الضحك من غير سبب يعد من قلة الأدب، وأعقبتها أجيال تبحث عن الضحك وتثبت أن ثمّت عدة أسباب تستجلبه وتستدعيه في مناسبات وظروف كثيرة؛ بل ترى أنه بات ضرورة كعلاج وتسلية لطرد السأم والملل والهموم، وحولنا من يجد للأجيال السابقة مبرراً لاستبعاد الضحك من قائمة المُسَلّيات كونهم يعيشون أجواء البساطة والشفافية وراحة البال التي لم تُرهقها أو تلوثها تعقيدات الحياة الحالية بتقنياتها ومبانيها وطرقها وحوادثها المرورية المهلكة، والإجراءات الإدارية والمالية الروتينية المرهقة الجالبة للصداع وتوتر الأعصاب وبالتالي غياب الابتسامة وغربة الضحك، عاشت الأجيال السابقة نظام ما يسمى (الأسرة المستديرة) حيث يلتئم الأبناء والأحفاد حول الأب والجد وتحُفّهم الأمهات والجدات في مجلس الدار البسيط لا تفرقهم نغمات هواتفهم الجوالة ولا برامج وتطبيقات أجهزتهم المحمولة التي تعيشها الآن الأسرة التي يمكن أن تسميها المتفرقة أو المتنافرة أو حتى المتطايرة، لا أدري أي وصف يصدق عليها فكل ما هنالك أن كلا منهم يعيش بمفرده داخل حيز من الدار أو المنزل، وكل منهم يضحك بمفرده في غرفته أو يترنم على نغمات لو سمعها جده الرابع لسار به إلى الراقي الشرعي ليعالجه من المَسّ، ولم يعلم الجد أن نظريات علمية حديثة تقول إن الضحك بات علاجاً يجلو الحزن الكامن دواخل الإنسان كونه الكائن الوحيد الذي يدرك معنى السرور والأحزان، وإن كانت هذه النظرية تخالفها قراءات مختلفة تؤكد بأن الطيور والحيوانات بل والحشرات تسعد وتطرب وتضحك ويدللون بمشاهد وأصوات وحركات فيما بينها تعكس تلك الأحاسيس لدى الكائنات الأخرى، وزاد علماء بأن الشجر والنبات له هذه الخاصية كذلك ولا يعرفهما سوى العلماء المتخصصون، ولا يمكن إنكار أن الضحك أحد وسائل التواصل الاجتماعي فهو تعبير مفهوم وله أبعاد عميقة لتفسير مواقف ومواجهات بين البشر قد تُغْني عن كثير من الشرح والتفسيرات، مثله مثل النظرة وحركات الجوارح، وللابتسامة سحر أخّاذ إذا ما وافقت قبول الأنفس وصدق النوايا، والعرب يحبون الضحك البريء العفوي، نظراً لما لمسوه من تأثيراته النافعة، ولهم في هذا الباب من النوادر أو القصص الطريفة، ومنها ما تم تدوينه في مؤلفاتهم كنوادر البخلاء والمعلمين للجاحظ، وغيره كثير، ولا يُطرب الإنسان كابتسامة حبيب أو ضحكة طفل؛ فيقول بدويلجبل:
(وصُنْ ضحكة الأطفال يا رب أنها
إذا غَرّدت في موحش الرمل أعشبا)،
ويقول الأخطل الصغير:
(يبكي ويضحكُ لا حزناً ولا فرَحا
كعاشقٍ خطَّ سطراً في الهوى ومَحَا)،
وأنشد عنترة العبسي حين شاهد عبلة يوم عيد بين الصبايا؛ فمما قال:
(بَسمَتْ فلاح ضياءُ لؤلؤ ثَغْرها
فيه لداء العاشقين شفاء)،
ومعلوم أن القناعات تزداد الآن لتؤكد أن قدرة الإنسان على الضحك من نفسه والتعليق عليها بالنقد الساخر هو إشارة إلى النضج والاستقرار العاطفي، فلنضحك إذاً، (وليس كل سماجة فكاهة).