علي الخزيم
هو عصفور ضئيل الجسم جميل الشكل لا يملك مخالب جارحة ولا منقاراً حاداً، غير انه يملك صوتاً عذباً يستثمره في إطلاق الحِكَم والأمثال والنقد الهادف اللاذع يتناول فيه أوضاع المجتمع والظواهر يشيد بجيّدها ويدعو لتعديل السلبي منها، اعتاد منذ نشأته ان يَحُطّ على شجرة سُمّيت باسمه (twitter مُغَرّد) يعتلي أرفع ذؤابة فيها ليطلق ألحانه الشّجيّة ممزوجة بما يراه مناسباً للحال من نقد وتوجيه مثمر لإصلاح كل مُعْوج والإشادة بكل مستقيم كقدوة لغيره، هو لا يريد من هذا العمل النبيل مكاسب شخصية لكنه ينشد الخير للجميع، وبطبيعة الحال فإن الشجرة كغيرها تستقبل أنواع الطيور بغاثها ونسورها وبقية الجوارح، لا بل إن منها (طويرات) تتسلل بالخفاء حيناً وبالصفاقة أحياناً لتبث مكنون أفكارها الشاذة والبعيدة عن الواقع، وربما ان منها ما يتعمد إطلاق تغريدات مدمرة للمجتمع وقيمه العليا، الطائر الغرّيد الأزرق لم يستنكف ورود هذه الأطيار إلى شجرته إما لأنه يأمل صلاح المنحرف منها او لتشجيع المعتدل واستقطاب تغريدات عقلانية حكيمة تريد الخير للجميع، الأمر الذي أثمر فكون جماعات مغردة كان لأصواتها بالغ الأثر في اتخاذ قرارات هامة في كثير من الدوائر والوزارات، قرارات وإجراءات إيجابية ربما عجزت المطالب بالخطابات عن تحقيقها، والمغردون غالباً يوضّحون الحقائق ويقترحون الحلول حتى لو لم يكن الأمر متعلقاً بمصالحهم الذاتية الشخصية المباشرة، إلا أنهم يهدفون للصالح العام وإصلاح المجتمع وإيصال صوته للمسئول مُتخذ القرار وصاحب الحق بالتوجيه، ولا أدل من تلك التغريدات المقرونة بمقاطع الصوت والصور التي كانت سبباً رئيساً لاستصدار قرارات هامة ومؤثرة، كما ان تغريدات مشبوهة كانت السبب وراء الإيقاع بأصحابها من الضالين والمنحرفين والمفسدين.
هذا العصفور الظريف الصّداح يمكن تشبيهه تجاوزاً (مع الاعتذار لكل مغرد) بصعاليك العرب وهم جماعة من عرب ما قبل الإسلام من الظرفاء والشعراء المُجيدين، لكنهم لظروف مختلفة يهيمون بالصحاري وهم على وعي تام بظروف وواقع الحال، فكانوا يسطون على أموال بعض الأغنياء ممن لا يُقَدمون للفقراء فيدفعون سلبهم إلى المعوزين والمحتاجين والأرامل ونحوهم، لا يريدون شيئاً لأنفسهم، يمنعهم من ذلك عزة أنفسهم وعقولهم الراجحة وملكاتهم الفكرية الناضجة حتى وان ابتعدوا عن مضارب القبائل والتجمعات السكانية فلهم في هذا نظرة خاصة بهم تشرحها أشعارهم الراقية السامية بمعانيها حتى ان كثيراً من قصائدهم تُعد من عيون الشعر العربي، اقرأ مثلاً قصيدة (مالك بن الريب) وهو أحدهم كان من أهل الغضا بعنيزة إحدى مدن القصيم المعروفة الآن، وهو أول من رثى نفسه بعد إسلامه:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بجنب الغضا ازجي القلاص النواجيا
كما تحلو القراءة للشنفرى:
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
وفيها لمن خاف القلى متعزل
أو لعروة بن الورد وغيرهم من الصعاليك المعتدلين، ولعل هذه المقارنة تكون من المقبول للاتفاق على أن تويتر يمثل ديواناً أو ملتقى لأصوات عطرة وطنية مخلصة ترجو الخير للجميع.