خطاب واع ورسالة معبأة بالألم والأمل
في روايتها الأولى «معلقون بالأمل» تُغْدِقُ الكاتبة أميمة السلاخ من كرم حكايتها على الأحداث بعدا تجذيرياً راعفاً بالألم ومعبئاً بالمعاناة، إلا أنها لا تتخلى كسارد بارع عن نزعة جميلة تتمثل في الأمل.. فكلما أوغلت حكاية «آية» في ألمها كلما استفاق الراوي من صدمة المعاناة وباح بشيء يشبه الأمل، فكان النص أشبه بمعادلة تتجاذب أطرافها بين ألم وأمل، وموت وحياة، وامرأة وفأل.
فالاستهلال العام الذي يمكن أن يبثه لقارئ هذه الرواية أنه صراع بين ألم الموقف وفسحة الأمل، حيث تتنازع النص ـ كما أسلفنا ـ هذه الجدلية التي تسعى الكاتبة أميمة إلى أن تقتفيها كحساسية لخطاب وجداني، ورسالة إِنسانية ترقرقت تفاصيلها لتكشف، لنا أن في آخر نفق العناء ومضة ما لأمل سيأتي وهذا ما دارت عليه مفاصل هذه الرواية.
عناصر السرد في رواية أميمة السلاخ حاضرة بقوة، وإن كان حيز المكان متوهجا، فإنَّ الزمان بات أيقونة يسترشد فيها القارئ أو المتتبع لتفاصيل السرد الذي جعل من حياة بطلتي العمل «آية» و»حنان» شخصيتين محوريتين تدور عليهما مفاصل وأحداث هذه الرواية.
فحيزا الزمان والمكان في العمل اتسما برؤية متوازنة جعل من شخصية «آية» منطلقاً مهما للحديث عن هذه الحكاية الأليمة التي تعرضت لها «حنان» وانتهت بموتها، لتظل شخصية «آية» متنفذة بالعمل، ومرتكزة على الخطاب الزمني الذي جاء بمستويين مختلفين، واحد هو زمن أحداث عملية «حنان» ومضاعفاتها ومن ثم وفاتها وهو زمن محدود جدا بنحو أكثر من شهر، وزمن عام التقطت فيه «آية» الكثير من التفاصيل الدقيقة على نحو مناسب لتوظفه في الحكاية الرئيسية من أجل حشد رؤية بانورامية عن حياتها وحياة من حولها، ولتجعل من تجربة «حنان» وموتها مركزا قويا لزلزال الحياة الذي أصابها، إلا أنها خرجت منه بشكل متوازن وبأقل الأضرار.
برعت الكاتبة أميمة السلاخ في تتبع هذا الخطاب الإِنساني ووظفته توظيفا مناسبا، وساقت مع هذه الأحداث الكثير من الصور الإِنسانية والتفاصيل الدقيقة على لسان الشخصية المحورية «آية» على نحو الدائرة المقربة منها ومن عملها ومن أسرتها الصَّغيرة، وكذلك المحيط الذي عاشت فيه ببلاد الغربة فكانت مدركة تماماً عمق الألم وحياة الموت مرتين.. في زمن الغربة وموت فاجع يقبض روح الأخت «حنان».
وأشارت هذه الرواية بحق إلى أن هناك مشاكل وتبعات وإرهاصات كثيرة في حياتنا، ندفع ثمنها بعلم منا أو بدونه، وأن هناك معاناة إضافية أخرى تضاف إلى معاناتنا نحن الذين نعاني من رحلة الحياة والبحث عن الذات وتأمين المستقبل لمن هم ينتظرون منا هذه المواقف، ليذهب العمر كما تقول تفاصيل رواية أميمة السلاخ دون أن نحقق شيئاً منها سوى ما يتركه الراحلون إلى بارئهم من ذكريات وأشياء بسيطة سرعان ما نشعر بأننا بتنا في قوارب متتابعة تدفعها مويجات الأقدار.. فمتى يحملك القارب إلى نهايات حتمية.. فهكذا تحددها الأسباب والأقدار التي يرتبها الله لنا سبحانه.
لغة الرواية متميزة في تفاصيلها، فقد ابتعدت الكاتبة عن التصنع اللفظي، لتعطي للحكاية فرصتها الأثيرة، فتأتي لغة السرد محملة على رَوِيٍّ واحدٍ هو شرح تفاصيل معاناة أسرة «حنان» التي دفعت حياتها ثمناً لخطأ طبي قام فيه طبيب لم يحسن صنيعة بهذه المرأة التي رحلت إلى بارئها تاركة ألما وحسرة لمن حولها، فالحكاية هنا تنز ألم المعاناة، لأن المرأة لم يكن فيها اعتلال أو مرض إنما هي رغبة منها ومن بناتها في أن تكون أكثر رشاقة حينما تخضع لرغبة إنقاص الوزن من خلال عملية جراحية جاء فيها هذا الخطأ الطبي الذي كلفها حياتها.
بيئة النص جاءت مناسبة ومتوازنة مع مفهوم السرد الذي اعتمدته الكاتبة، فرغم انه يقوم على تناقل مفهوم الحضور بين مجتمع وآخر، وما تواجهه من فوارق اجتماعية وأسرية حتمت على الراوي للأحداث أن يكون حصيفاً وواعيا لأدق التفاصيل من أجل أن تخرج حكاية «آية» و»حنان» بشكل متناسق مع بيئة المجتمع الذي عاشت فيه المرأة أكثر الأيَّام مرارة وحزنا وصبرا.. فالكاتبة هنا عالجت بيئة الغربة أو «وطن الغربة» بشكل مناسب، وأوضح قدرتها على السرد لأدق التفاصيل اليومية، لتكتمل معالم الرواية في هذه التجربة الإِنسانية الجديرة بالتدوين والمتابعة.
شخوص العمل في رواية السلاخ جاءوا إلى مساحة السرد محملين بعبق الحكاية الإِنسانية المتأصلة في ألمها ومعاناتها وهي تصارع من أجل بناء الذات وتحقيق الأحلام، والعيش بسلام إذا ما كتب الله لهم العمر بعد سني التعب والجهد بحثاً عن حياة مجدية، فالشخوص هنا حول «آية» مصدر ثراء لحكايتها، وهم من سعوا إلى توطيد العلاقة بين الإِنسان وألمه، ولا سيما أن هذه المعاناة تبوح بتفاصيلها امرأة تسكنها الحياة، وتمتاز بمعاندتها وتعبها وصبرها من أجل أن تكمل الحياة دورتها، وتحقق بعضاً من أحلامها حتى وان كانت مغموسة بألم، وسادرة بمعاناة واضحة سطرتها هذه الرواية التي تستحق القراءة والمتابعة.
إشارة:
- معلقون بالأمل (رواية)
- أميمة السلاخ
- دار الفكر العربي ـ القاهرة ـ 2015م
- تقع الرواية في نحو (272 صفحة) من القطع المتوسط