د. عبدالرحمن الشلاش
ما إن يعين وزير جديد في أي وزارة من وزارات الدولة ويتسلم مهام عمله إلا وتسحبه دوامة العمل الضخمة من اليوم الأول إلى العمق دون أن تترك له فرصة للتعرف على واقع الوزارة وما يحيط بها من مشكلات، أو التعرف على نوعيات من يعملون معه من نواب ووكلاء ومديرين.
أذكر قبل سنوات توجهت مع بعض الزملاء كي نقدم التهنئة لأحد الوزراء بمناسبة تعيينه. كان الوزير أستاذاً لنا في مرحلة الماجستير بجامعة الملك سعود ولأنه قريب من قلوبنا بطيب تعامله معنا ومن باب الوفاء قررنا زيارته وتقديم التهاني والتبريكات لمعاليه. هدف الزيارة الذي ذكرت ليس بيت القصيد بطبيعة الحال فما أن سلمنا وجلسنا في القاعة المفتوحة حتى بدأ المراجعون بالدخول وكل واحد منهم يحمل بيده ورقة أو ملفا ثم يحادث الوزير حول موضوعه لدقائق ويسلم ما يحمل لمدير مكتبه، وقبل أن ينصرف لا ينسى التأكيد على الوزير كرات ومرات بضرورة الاهتمام بموضوعه وسرعة إنجازه. يتكرر هذا المشهد مع كل مراجع، ومعالي الوزير في كل ساعة تمر يجذب أكثر إلى عمق الدوامة، وبعد ساعتين يدخل مجموعة من الرجال الأشداء يحملون عشرات الملفات وكل ملف يحتوي على عشرات المعاملات ليوقعها الوزير أو يحيلها لجهات الاختصاص، أو يشرح عليها، أو يطلب مزيدا من الإيضاح حولها أو الدراسة ثم الإفادة.
أدركت والوزير على هذه الحالة أن تصوره لواقع وزارته الجديد شبه معدوم، وأنه سيحتاج ربما لسنوات كي يتعرف على كل خبايا وزارته خصوصا مع ازدحام العمل، وأنه كي يختصر الوقت يحتاج لتفويض بعض صلاحياته والنزول للميدان، والتحدي الأصعب فهم كل المحيطين به، ومدى كفاءة كل واحد منهم، وهل هو من نوعية الجادين الحريصين على العمل والإنجاز أم أنه من أصحاب المصالح الشخصية من الحرس القديم ومن عاصروا كثيرا من الوزراء دون أن يتحركوا من مناصبهم، وهذه النوعية بالذات منتشرة في كثير من وزارات الدولة وإداراتها وتشكل حجر عثرة أمام أي وزير جديد قادم فإن حاول التخلص منهم دخل في دوامة لا نهاية لها، وإن أراد تطوير أدائهم وقدراتهم اصطدم بقناعاتهم غير القابلة للتغيير ليجد نفسه في النهاية وقد أذعن طواعية وسار بنفس طريقهم. عندها سيتأثر العمل من هذا التحالف، وستكون الغلبة للمحسوبيات والعلاقات.
الوزير الجديد على أجواء أي وزارة أو بمعنى آخر القادم من خارج أسوار الوزارة سيجد نفسه محاطاً بكل التحديات التي ذكرتها، دوامة عمل لا ترحم وعدم إلمام بأجواء الوزارة ومشكلاتها، وبيروقراطية تشل حركته وتجعله غير قادرعلى اتخاذ القرار في التوقيت المناسب، ومساعدين من نوعية « الوزير ليس شمس شارزه «.